وجيهة الحجار تكتب: جدلية عقوبة الإعدام والسجون الإصلاحية

لطالما ارتبطت كلمة الثأر في الوعي الجمعي بالتخلف والرجعية، إذ أن الكلمة تحمل في طياتها تحييداً للعقل، وعدم احترام لفهم أسباب الجرم وسياقه وتفاصيله، وأنها كذلك تنهي الرحمة من بين الناس وتصنع سلسلة صراعات، وكذلك فإنها تنتج أفعالاً تبادلية من العنف لا ينهيها إلا الصلح.
ومن النافل القول إن الحكاية الشعبية “الزير سالم” خير دليل على موقف واضح من الثأر…
بالمقابل فإن الحاجة للقانون هي حاجة للتوقف عن الظلم وهي كذلك حاجة لتنظيم المجتمع ضمن سلسلة علاقات وضوابط قد تؤدي للدفع بالمجتمع للأمام، من هنا فإن مشكلتين كبيرتين تواجهان القضاء السوري.
الأولى هي البطء في الإجراءات وهي ما دفعت عدد كبير من الأهالي إلى فقدان الثقة بالسلوك القضائي..
والأخرى هي عدم استقلالية القضاء في مواطن كثيرة وهذا ما يجعل العامة تشعر إن كل مجموعة مدعومة أمنياً لن يستطع القضاء النيل منها.

ناهيك عن مشكلة كبيرة في القوانين ذاتها، وطبيعة السجون.

فعلى سبيل المثال قامت الكثير من الدول المتحضرة بإلغاء عقوبة الإعدام احتراماً لحق الإنسان بالحياة وهو حق مقدس، وفي الوقت ذاته استطاعت تأمين سجوناً تحوي مصحات، وصار اسم السجن”اصلاحية” وفي معظم هذه “الاصلاحيات” كان الهدف هو تأهيل المجرم لإعادة دمجه في المجتمع، وكذلك كانت المزية إنه يمكن إطلاق المجرم في وقت أقصر اذا أظهر سلوكه تجاوباً إصلاحياً سريعاً، وهناك لايخافون على “المجرم” من أي انتقام لأن المجتمع في الخارج خاضع للقانون وليس أسيراً لفكرة الثأر…

ولهذا فإن الطبيعي والمنطقي أن يسعى “العاقل” لاحترام حق الإنسان في الحياة، ورفض الإعدام، وأن ينشد هذا “العاقل” الاصلاح للمجتمع ويبحث عن مجتمع لا يخاف فيه من الثأر…

لذلك من الجيد التعامل مع ما حصل اليوم على إنه ضغط لتسريع المحاكمات عموماً بغض النظر عن جزئية الجريمة الحالية، وفي نفس الوقت على من يجد في نفسه القدرة على نشر الوعي أن يرفع صوته لشرح مخاطر عقوبة الإعدام في الأنظمة القضائية، ألا ويكمن التناقض انه في السجون السورية قد لا يكون هناك بديلا عن عقوبة الاعدام في الوقت الراهن اذ لا مكان لمؤسسات اصلاحية ولا ضمان لسلوك الجاني أو ردات فعله.

ومع ذلك يجب أن يتذكر المرء أنه في بلاد أشرس محاكمها هي غير قانونية أصلاً بل هي استثنائية قاتلة، وهكذا نعود للبداية بأن المشكلة ليست في ممارسة الشارع، ولا عاطفية الشعب، ولا الانفعالات الآنية، المشكلة في سياق طويل الأمد أوصلنا لنقطة يمكن لأي فرد فينا من خلالها أن يصبح مجرما، والوعي يكمن بأن نطالب بحقنا في أن لا نكون مجرمين، وهذا الحق لا يمكن الحصول عليه، طالما أداة الجريمة الأخطر المتمثلة بأجهزة تصنع القتلة وتنحدر بأخلاق المجتمع لازالت موجودة.

شارك

Share on facebook