هشام الجوهري يكتب: ثمة شيءٌ ضائع

“أنا أعمى ساعدوني ” استقبلتني العبارة عندما ولجت الشارع الرئيسي، كان وقعها كدوي مطرقة تكسر صمت الشارع تتهادى فيه أرجل المارة دون أن تزعج الإسفلت باحتكاك نعالها.

أسرتني الكلمات المكتوبة بعبث على ورقةٍ مقّواه تعلو راسه الموشى بالشيب، التقيه دائما بينما يجلس على الرصيف المقابل لمبنى البلدية بثقل سنواته السبعين يتلمس كتبه يرفعها نحو الشمس وبعينين مُطبَقتين نصف اطباق يهتدي الى ظلها.

يعبره الناس ساهمين تزوغ عيونهم عنه كأنما يبحثون عما أضاعوه، يستعجلون سؤالك اذا سألت ويختصرون جوابهم إذا أجابوا.

دنوت بزجاجة ماء أريد إرواء شفتيه ولكن سبقت قطرات مائي إليه خطوات رجل خمسيني عبرني وهو يحمل حقيبته أسلمها للرصيف وانحنى على اوراق العم عبدالله تناولها وهو يردد انا سأساعدك ,قلي ماذا تريد أن تكتب؟ ودون انتظار الموافقة جلس بجانبه.

وقفت خلفهما وقبل ان ينطق العم عبدالله كتب الرجل “أنا أعمى واريد من اصحاب الخير أن يساعدوني، أعيش لوحدي، أولادي لا يهتمون بي …
انطلق العم عبدالله: تموت روح الامم وتضعف همتها ….
كان الرجل منهمك بالكتابة دون أن يصغي الى ما يمليه عليه العم عبدالله ويكتب كلاماً لا يوافق ما يقوله :كنت دائما رجلا صالحاً لا يغضب أصحاب عمله ,كنت دائما مخلصاً لكم

أشعلت الكلمات الاخيرة غضبي وصرخت به ما الذي تفعله يا رجل؟ تابع دون اكتراث لصراخي وكأنه لا يراني: أعلم حجم مشاغلكم وسهركم على حماية رعاياكم

– يا رجل انت تزور كلام العم …
رفع العم عبدالله رأسه يبحث عن صوتي: من أنت؟ ماذا تقول؟ ماذا يكتب؟

– يكتب غير ما تقول يا عم عبدالله

لم يتأثر الرجل الأسمر بكلامي وبقي هادئً ككتلة جليد تجثم امامي، رفع نظره نحوي ومن ثم عاود الكتابة دون ادنى اهتمام بكل هذا الغضب والصراخ

انقضت يدي على خناقه ورحت أهزه وأصرخ به من أنت؟ ومن بعث بك الى هذا الرجل الاعمى؟

ووسط دهشة منه تناثرت بين عينه قال: امنحني صبرك يا أخي انا اطرم ..فقدتُ سمعي بحادث اليم وكنت أريد المساعدة، لا أسمعك ولا أسمعه.

تراخت يدي عن عنقه ومشيت ساهماً كأنما أبحث عن شيء أضعته

شارك

Share on facebook