علاء شقير يكتب: هل كان ينقُصنا الوطن؟

المكان: دمشق، …
الزمان: 2010

كنت أكبرهم بعشر سنوات، وكانوا يكبرونني بحلم وطموح.

كان اختلافهم وتنوعهم ميزتهم، وعلى اختلاف مجتمعاتهم السورية التي قدِموا منها كانوا يضجون بالأمل، يأتون بصحبة أخي، نتشارك فيلماً أحياناً وفي أحيان أخرى أشاركهم احلامهم ورؤاهم المستقبلية. معظمهم كان يحلم بالسفر، وماذا بعد؟ كانت الاجابات في غالبها (ليس مهماً) ربما نكمل الدراسة أو نتعرف على ثقافاتٍ أخرى.

كان حلم بعضهم واقعياً على مقاس شهاداته والمساحة المتاحة لإمكاناته في البلد، ولم يكن أكثر من امكانية تعيينه في وظيفة حكومية أو العمل في التجارة أو في مصلحة حرة أو كحلم أخي الذي كان يحب التصميم الفوتوغرافي ويدرس في المعهد الفندقي، وكان يطمح أن يعمل مستقبلاً في فندق خمس نجوم ريثما يتمكن من فتح ورشته المختصة في صيانة الكمبيوترات والموبايلات.
ريما، كانت تحلم أن تعمل في اختصاصها في الاعلام في احدى الصحف المحلية.
أما محجوب الذي كان يعشق التصوير فكان حلمه أن يتمكن من تجهيز استديو تصوير صغير خاص به.
2012 انفرط العقد وتفرقت الصحبة على ترددات المحطات والفضائيات التلفزيونية.
بعد عقد من الزمن أصبحوا قصص نجاح في بلدان مختلفة تفوقت على حلم الأمس الذي كان كبير المقاس بأكمامٍ طويلة عليهم في بلدهم.
أخي الذي ترك شهادته الفندقية. ولجأ إلى ألمانيا يتقن الآن الانكليزية والتركية والالمانية ويوقع عقد عمل مع شركة تسلا ثم يقدم استقالته بعد أشهر (نعم استقالة من شركة تسلا) معللاً لم أجد نفسي هناك. ومن ثم ليوقع عقداً جديداً مع شركة برمجة بريطانية الجنسية تعمل على تطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي في الفيس بوك.
محجوب أكمل دراسته في مجال التصوير والاخراج وتخرج من جامعات المملكة المتحدة ويعمل الآن في اخراج الافلام القصيرة بعد تميز مشروع تخرجه في هذا المجال.
أباذر الذي لم يكن يعلم كيف يمكنه أن يصرف على نفسه ويتعلم العزف على العود عندما كان في سوريا. يعزف اليوم على أهم المسارح ودور الأوبرا في ألمانيا.
ريما اعلامية مهمة في محطة تلفزيونية ذات شأن في الامارات العربية المتحدة.
أما كنان المهذب اللطيف الذي أحب الموسيقى ودرسها لم تسعفه سبل السفر إلى الخارج. فالتحق بخدمة العلم وتم تسريحه بعد تسع سنوات ليجد نفسه وقد فاته العمر يبحث عن عمل، يعمل الآن مدرساً لمادة الموسيقى بالوكالة على أمل أن يتم تعيينه وتثبيته في القريب العاجل.
أين المعامل المفقود في معادلة الداخل والخارج؟
ذكر تقرير “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” الصادر يوم الخميس 18 من حزيران، أن عدد اللاجئين السوريين وصل إلى نحو 6.6 مليون لاجئ موزعين في 126 دولة.
ولا يمر يوم من دون أن نقرأ أو نسمع قصص نجاحهم في الخارج رغم ما عانوه من صعوبات.
لنجد قصص نجاحهم تتصدر أهم الصحف العالمية في حين لم نكن لنسمع بمثلها عندما كنا 22 مليون نسمة.
نشرت جريدة الغارديان البريطانية 2018 قصة نجاح عماد الطباخ السوري الذي اشتهر في لندن، وفي نفس المقال تطرقت لموجة اللجوء عام 2015 إلى المانيا والتي استقبلتها المستشارة الألمانية انجيلا ميركل بجملتها الشهيرة ” يمكننا التأقلم”
وعلى عكس توقعات اليمين الألماني أثبت السوريون وعيهم وقدرتهم على التأقلم والاندماج في المجتمع والتفوق في شتى الميادين الفكرية والعلمية والفنية والمهنية وسوق العمل.
ولم يختلف كثيراً عن ذلك تقرير الكاتب أوليفر مودي عن نجاح السوريين في ألمانيا في صحيفة التايمز البريطانية (1/4/2019)
الذي تحدث عن معاناة السوريين هناك والصعوبات التي تواجههم وخص تجربتي نجاح الشابان يوسف (29 عام) وعدنان (24 عام)
تقول الصحيفة (ان الصعوبات التي تواجه اللاجئين جمة، أما قصص نجاح اللاجئين السوريين والعراقيين تبدو وكأنها قصص خيالية، مثل قصة عازف البيانو ايهام أحمد أو السباحة الأولمبية يسرى مرديني أو الفائزة بجائزة نوبل للسلام ناديا مراد …) وتختتم التايمز تقريرها بقول عدنان (نشعر أننا في وطننا)
في بحث سريع على محرك البحث ستعثر على بصمة اللاجئ السوري في عشرات المعارض الفنية حول العالم وعشرات الصحف وعشرات المحاضرين والباحثين في أهم الجامعات العالمية في ميادين العلوم المختلفة وعشرات الطلاب السوريين المنافسين على مراتب الامتياز فيها، وبراءات الاختراع المسجلة لطلاب سوريين ومطاعم مشهورة افتتحها لاجئين سوريين، وبالمثل في الرياضة والأدب، والسينما والمسرح. وفي دور الأوبرا العالمية لا بد من كونشيرتو اللاجئ السوري.
ما الذي كان ينقصنا (حتى قبل عام 2011) لنجد ذواتنا؟
هل خسر الوطن نجاحات هؤلاء وطاقاتهم أم هل وجد هؤلاء أنفسهم ووجدهم الوطن؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط مقال صحيفة التايمز الاصلي

شارك

Share on facebook