التقوى لا تُورث، كما أن الطريق إلى الله لا لزوم فيها لرجل الدين أياً كانت ملَّتهُ أو طائفته أن يتصدر زخارف المشهد الاجتماعي أو الاعلامي، كما أنه في علاقته الروحية مع الله لا يحتاج وصاية روسية أو أمريكية أو حتى حكومية ولا حاجة له بالسلاح أو الرجال المسلحة وإلا سقط الدين من قلبه وانتفت عنه صفة المتدين. هذا فقط لنسمي الأمور بمسمياتها.
أما أولئك الأنقياء الأتقياء فلن تسمع باسمهم ربما إلى حين يوم الحساب ذلك أن لا أحد يعلم بفعل خيرهم للناس وصدقاتهم إلا الله وتجدهم غير مبالين بمتاع الدنيا ومظاهرها ومناسفها وحتى اعتباراتها الاجتماعية وغير آبهين بالظهور إلا أمام الله.
وهنا سيقول قائل: في هذا المجتمع المحكوم باعتباراته وهويته الدينية لا بد له من زعامات ووجاهة دينية لها قدرها واحترامها تتحدث باسمه وتحمل همومه وتطلعاته وتعمل على حل مشكلاته.
وهذا فعلا ما نحن محكومين به، وفي زمان خلا كان لهم الدور الفاعل والفعال في تسيير أمور المجتمع وكانوا حينها قد استحقوا منزلتهم وألقابهم بمواقفهم المشرفة وحكمة بصيرتهم وحبهم للناس وحب الناس لهم. أما في أيامنا فأحفاد هؤلاء ممن ورثوا العمامات والعبي والالقاب لم يعد يشغلهم سوى الحفاظ على ما ورثوه، فأصبح حالهم كــ “البو ” المنصوب أمام أبناء جلدتهم. والبو لمن لا يعرفه هو جلد ولد الناقة الميت والذي يتم حشوه بالتبن وتقريبه من أمه لِتُدِر الحليب.
وفي هذا السياق لا يمكنك استثناء الوجاهات الاجتماعية والعشائرية والسياسيين والمثقفين والمتنفذين من الضباط والمسؤولين ممن حاد عن الحق الواضح وطريق الوطن وهموم المواطن تحت قناعه المزيف مقابل بعض المكاسب المادية أو السلطوية أو حتى الاجتماعية ان لم يسيروا في سوق المتاجرة بالناس وهمومها.
نفس القائل يتنطح ثانية ليسأل: ” ما لكَ وما لهم؟ “.
بعد أحداث مدينة شهبا المؤلمة بوفاة ثلاثة من خيرة شبانها تزامناً مع أيام العيد الأضحى نتيجة لفوضى السلاح وحالة الفلتان الأمني التي تمر بها المحافظة. ثم ما تبع الحادثة من تعاضد اجتماعي مكّن أهالي شهبا من مواجهة القتلة والزعران وطردهم وتدمير ممتلكاتهم الفتّاكة من الأسلحة والمخدرات.
أمِلَ وتوقع أبناء مدينة السويداء في غياب تواجد حقيقي للدولة أن يتواصل الحراك ويتمدد ليطال أوكار الزعران المعروفين في المحافظة ومن تلوثت اياديهم بالقتل والاغتصاب والسرقة والخطف والمتاجرة بالسلاح والمخدرات (على عينك يا تاجر)
لكن الذي حصل هو تململ الهيئة الدينية والزعامات والفصائل المسلحة وعدم المناداة أو العمل بهذا الاتجاه والسبب البسيط الذي لم يستطيعوا التخلي عنه هو اختلاف مرجعياتهم السياسية والسلطوية وأحيانا الدولية. أي أنه لا مرد لأحدهم لمجتمعه الذي يتكلم باسمه اذا اغفلنا تقاطعات العلاقات بين بعض المسلحين والزعران. وأياَ منهم لم يستطع أن يدير ظهره لمرجعيته أو يتنازل قليلاً ليجلس مع ابناء بلده على طاولة للحوار والتشاور والعمل . عدا بعض الحركات المتفرقة الخجولة وبعضها كان على مستوى اجتماعي تمثل بمبادرة بعض العائلات للتبرؤ ممن ثبت عليهم الجرم.
وحتى في حال تحرك الفصائل المسلحة ألا يتوجب على الهيئات الدينية والزعامات الاجتماعية والعشائرية احتواء هذه الفصائل بقوانين وضوابط صارمة تضمن على أقل تقدير عدم انفلات عناصرها أو انشقاق بعضهم لتشكيل عصابات جديدة؟
انما يجب في هذا الظرف الحرج الذي تمر به البلاد عدم مراعاة ومسايرة الرموز غير الفاعلة وطبعاً لا يمكن اجمالهم جميعاً فهناك من ستوخزه المسلة ومنهم من يقف الآن في خندق الناس فعلا بسلطته وحكمته ومحبة الناس له هذه الناس التي لا بد من أن تتمرد وتسقط الرموز الاجتماعية والدينية الواهية التي تعتاش وتستعرض على حسابها ودون أن يقوموا بواجبهم حيال ثقة الناس بهم.
قبل وفاته سُئل المجاهد والقائد سلطان باشا الأطرش بعد كل ما صنعه وقام به ان كان هناك ما يتحسر عليه.
لأكثر من نصف قرن بقي حاملاً حسرته على عدم تمكنه من تحرير ضيفة أدهم خنجر من قبضة الفرنسيين قبل أن يقتلوه.
القائد لا يأتي بالصدفة