هل تريد شيئا قبل أن ننصرف؟ هكذا خاطب جمعٌ من رجالِ القرية شيخهم الجليل ,وبإشارةٍ من يده تشكرُ ولائهم, انصرفوا الرجال يتمتمون مناقب شيخهم وعقلهُ الراجح وحكمته الطاغية.
جلسَ الشيخُ على الكرسي في شرفةِ بيتهِ المعزول عن الأجناس كلها وعلامة الفخر والرضى على ولاء الناس له بادية على وجهه , كانت الطاولة أمامه تفخر بكل الاصناف، تناول غدائه بقابلية كبيرة وبعدما أفرغ الصحون كلها رفع رأسه إلى السماء ثم قال أحمد الله أنه منَ عليَ هذه المكانة ,الآن وبعد هذا الغداء أشعر أنني أسبح في ملكوتك يا ربي، تمتمت شفاههُ من بين لحيته وشاربهِ المتهدل بفعل دهون الطعام العالقة.
لا استطيع البوح به دائما أخجل أن يعرف أحد ما يقلق راحتي إنها تلك الغربان القذرة وذلك الغراب الذي ينتظرني على الباب فيفرغ فضلاته على شاربي ولحيتي وكأن الرب بعث بها امتحان لصبري وإيماني وقد ضقت ضرعاً.
ما هذه القرية التي عاثَ فيها هذا الطائر خراباً؟ يتساءل وثقل أطرافه لا يساعده على مقاومة هذه الطيور بل غدائه الثقيل يبطئ حركته, صار يصرخ بصوت مخنوق ينادي رجال القرية, لم يعد مهتم بالامتحان الرباني وبلمح البصر كانوا أمامه يحملون بنادقهم، ينادون فيما بينهم: اقتلوا تلك الغربان فقد أهانت شيخكم ورمت بفضلاتها عليه، ثارت ثائرتهم ووجهوا بنادقهم إلى صدور الغربان، هو ذلك الغراب لم يهتم لإمرهم انخفض إلى رأس الشيخ وصار يحوم حوله، صرخ الشيخ اقتلوه قبل ان يفعلها.