رسم نور نصرالله

هشام الجوهري يكتب: الغداء الثقيل

يا شيخنا, يا حامي النعمةَ في بيوتنا ,ويا واسطة الخير بيننا وبين الله, الامرُ لك ونحن من المطيعين…

هل تريد شيئا قبل أن ننصرف؟ هكذا خاطب جمعٌ من رجالِ القرية شيخهم الجليل ,وبإشارةٍ من يده تشكرُ ولائهم, انصرفوا الرجال يتمتمون مناقب شيخهم وعقلهُ الراجح وحكمته الطاغية.

جلسَ الشيخُ على الكرسي في شرفةِ بيتهِ المعزول عن الأجناس كلها وعلامة الفخر والرضى على ولاء الناس له بادية على وجهه , كانت الطاولة أمامه تفخر بكل الاصناف، تناول غدائه بقابلية كبيرة وبعدما أفرغ الصحون كلها رفع رأسه إلى السماء ثم قال أحمد الله أنه منَ عليَ هذه المكانة ,الآن وبعد هذا الغداء أشعر أنني أسبح في ملكوتك يا ربي، تمتمت شفاههُ من بين لحيته وشاربهِ المتهدل بفعل دهون الطعام العالقة.

لكن تلك الرفعة والسطوة على الناس تحتاج الى التضحية ولن اخسر مكانتي بين الناس لأي سبب كان
كانت ذاكرة الشيخ الجليل تعمل عمل منبه في لحظات الاستغراق الصباحي ,قيد عقله امتلاء بطنه, هواجس مفرحة تنسيه ثقل طعامه واخرى حزينة تغمض عينه وتنشر الخدر بأطرافه.

لا استطيع البوح به دائما أخجل أن يعرف أحد ما يقلق راحتي إنها تلك الغربان القذرة وذلك الغراب الذي ينتظرني على الباب فيفرغ فضلاته على شاربي ولحيتي وكأن الرب بعث بها امتحان لصبري وإيماني وقد ضقت ضرعاً.

لم يكمل شيخنا الجليل هواجسه حتى سمع نعيق الغربان يسبق وصولها ,جلس قعدته وحاول بغطاء راسه أن يخفي وجهه، صارت تدور في سماء فوقه واحدة منها تهبط وثانية تعلو هو نفسه ذلك الغراب الذي دائما يقترب الى مسافة قصيرة من قمة راس الشيخ ويرمي فضلاته عليه ويهرب
كان منديله بالانتظار يمسح سوائل الطير باستحقار
كم من الوقت سأحتمل ثقل فضلات هذا الطائر على شاربي وذقني ،عشت كل هذه الاعوام وأنا أمسح قذارته

ما هذه القرية التي عاثَ فيها هذا الطائر خراباً؟ يتساءل وثقل أطرافه لا يساعده على مقاومة هذه الطيور بل غدائه الثقيل يبطئ حركته, صار يصرخ بصوت مخنوق ينادي رجال القرية, لم يعد مهتم بالامتحان الرباني وبلمح البصر كانوا أمامه يحملون بنادقهم، ينادون فيما بينهم: اقتلوا تلك الغربان فقد أهانت شيخكم ورمت بفضلاتها عليه، ثارت ثائرتهم ووجهوا بنادقهم إلى صدور الغربان، هو ذلك الغراب لم يهتم لإمرهم انخفض إلى رأس الشيخ وصار يحوم حوله، صرخ الشيخ اقتلوه قبل ان يفعلها.

تتحرك البنادق مع حركة جناحيه اندفع شاب وسدد رصاصة ..تملص منها الغراب وأودعها في جبهة الشيخ الذي سقط على الأرض.. أصوات تنادي قد قتلت الشيخ قد مات مخلصنا..
تعارك بالأيدي والبنادق ..بقع دم تملئ المكان والغربان تدور بالسماء.. كلاب تنبح وتسكت,
تهتز كتف الشيخ بفعل يد خشنة…..
يا شيخنا ويا حامي النعمة في بيتنا استيقظ “يمكن مثقل بالغدا يا شيخ” نطق صاحب الوجه البشوش والكرش المدور
تمتم الشيخ لنفسه الحمد الله على نعمة الكابوس وأبعد عنا الحقيقة.

شارك

Share on facebook