مداخلة الدكتور عمر عبيد

إنَّ تحديد الهوية الوطنيّة فِعلٌ يحدّدهُ المواطنون والدولة فهو حوارٌ متبادَل يكون بين طرفَين ولا يصحُّ من طرفٍ واحد.

سأقوم بمقارنة بسيطة بين الدولة الوطنية الديمقراطية وبين الدولة الأمنية الاستبدادية وكيف يؤثِّر أيٌّ من النموذجَين في تحديد هوية المواطنين وانتمائهم :

1- الدولة الوطنية الديمقراطية تحافظُ علی الهوية الوطنية وهي محايدة تجاه جميع مواطنيها وتقف منهم علی مسافة واحدة ويتلقّفون هويَّتَها طوعاً.

الدولة الأمنية الاستبدادية تُبدِّدُ الهوية الوطنية وتأكلُها بل تأكلُ الدولةَ نفسَها وهي منحازة لمَن يواليها من المواطنين معاديةٌ لمَن يعارضُها وتلزمُهُم بهويَّتِها قسراً.

2- الدولة الوطنية الديمقراطية مستقرّةٌ تحلُّ مشاكلَها بدون عنف كمشاكل الأقلّيات ومشاكل الحدود ومشاكل المجتمع.

الدولة الأمنية الاستبدادية مضطربةٌ مقلقلَةٌ تحلُّ مشاكلَها بالعنف مع الأقلّيات ومع المجتمع وهي تحتاج حرباً لا تهدأ كي يبقی التهديدُ مستمرّاً كسيفٍ مصلَّت فوق رؤوس المواطنين والجواب الجاهز لأيّ مطالَبةٍ صادقة بأيّ تغيير هو: (لا صوتَ يعلو فوق صوت المعركة). فالمعركةُ مطلوبةٌ لذاتها بغضّ النظر عن أية وسيلة أخری لوقفِها.

3- الدولة الوطنية الديمقراطية تجذبُ مواطنيها فيبقی مَن يعيشُ فيها ويحلم مَن يغادرها بالعودة لبلده الأم. وهي تراكمُ ثروات البلد البشرية والمادية في داخلها وتنفتحُ علی مواطنيها فتأمَنُ لهم ويأمَنوا لها فيصبحُ الشأنُ العام يخصُّهم ويعنيهم كالشؤون الخاصة بل وأكثر.

الدولة الأمنية الاستبدادية تنبذُ مواطنيها فحلمُ شبابِها كلِّهم هو الهجرة والحصول علی جنسية أخری تكفلُ لهُم مقوّمات الحياة.

وهي لا تراكم شيئا فكل ثروات البلد عرضة للسطو والنهب إلى الخارج.

ودولة الاستبداد تقيم حاجزاً وسوراً عالياً بينها وبين مواطنيها فالمواطن مذنبٌ دوماً

لا لشيء إلاّ لأنّ سوءَ حظّه أوجدَهُ في بلد كهذا وبالتالي فلن يقابلَها المواطنُ إلاّ بالازدراء والخوف والتركيز علی الخاص فقط.

هذه بعض المقارنات البديهية التي نعرفُها كلُّنا ووجودُنا هنا معاً دليلٌ علی أننا كمواطنين بالتأكيد نختارُ هويةَ مواطنٍ في الدولة الوطنية الديمقراطية .

ولكن يبقی هناك الطرفُ الثاني من الحوار والذي لن يكتملَ هذا الحوارُ من دونه وهو الدولةُ فماذا ستختارُ هويّةً لها؟ الأولی أم الثانية ؟

عندما نسمعُ رأيَ الطرف الثاني ستكتملُ الحلقةُ وتتحدّدُ الهويّةُ لوحدها ولن تظلَّ حبراً علی ورقِ جوازاتِ السفرِ وطلباتِ اللجوء وأحلام الهجرة أو كوابيسها.
شكراً لكم

شارك

Share on facebook