“أنا أعمى ساعدوني ” استقبلتني العبارة عندما ولجت الشارع الرئيسي، كان وقعها كدوي مطرقة تكسر صمت الشارع تتهادى فيه أرجل المارة دون أن تزعج الإسفلت باحتكاك نعالها.
أسرتني الكلمات المكتوبة بعبث على ورقةٍ مقّواه تعلو راسه الموشى بالشيب، التقيه دائما بينما يجلس على الرصيف المقابل لمبنى البلدية بثقل سنواته السبعين يتلمس كتبه يرفعها نحو الشمس وبعينين مُطبَقتين نصف اطباق يهتدي الى ظلها.
يعبره الناس ساهمين تزوغ عيونهم عنه كأنما يبحثون عما أضاعوه، يستعجلون سؤالك اذا سألت ويختصرون جوابهم إذا أجابوا.
دنوت بزجاجة ماء أريد إرواء شفتيه ولكن سبقت قطرات مائي إليه خطوات رجل خمسيني عبرني وهو يحمل حقيبته أسلمها للرصيف وانحنى على اوراق العم عبدالله تناولها وهو يردد انا سأساعدك ,قلي ماذا تريد أن تكتب؟ ودون انتظار الموافقة جلس بجانبه.
أشعلت الكلمات الاخيرة غضبي وصرخت به ما الذي تفعله يا رجل؟ تابع دون اكتراث لصراخي وكأنه لا يراني: أعلم حجم مشاغلكم وسهركم على حماية رعاياكم
– يكتب غير ما تقول يا عم عبدالله
لم يتأثر الرجل الأسمر بكلامي وبقي هادئً ككتلة جليد تجثم امامي، رفع نظره نحوي ومن ثم عاود الكتابة دون ادنى اهتمام بكل هذا الغضب والصراخ
ووسط دهشة منه تناثرت بين عينه قال: امنحني صبرك يا أخي انا اطرم ..فقدتُ سمعي بحادث اليم وكنت أريد المساعدة، لا أسمعك ولا أسمعه.