في الربع الأخير من القرن المنصرم تم اختزال العملية التعليمة إلى وسيلة أو طريق نحو ” وظيفة مؤمنة ” وكان المفرز النهائي نماذج متشابهة من البشر تمارس في معظم حالاتها بطالتها المقنعة. وتحشد مواليدها في الخندق المؤدي للوظيفة الحكومية.
وقد دعا تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2002 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الانمائي إلى ” اجراء مراجعة جذرية لأنظمة التعليم في البلدان العربية”.
وفي السياق نفسه جاء ترتيب سورية في نهاية القائمة فيما يتعلق بمدى نجاحها في تحسين جودة التعليم العالي وخاصة فيما يتعلق بمعدلات التمويل في هذا القطّاع اضافة إلى حملة الاصلاحات الفاشلة والتي اسفرت عن عدم ادراج مؤسسات التعليم العالي في سورية ضمن مؤشر تصنيف مؤسسات التعليم العالي في العالم.
ثم أتت السنوات الأخيرة بما أتت به من حرب ودمار التهمت البلاد واستنزفت النفوس وطالت المفاصل الحيوية الاقتصادية من تدمير للمنشآت إلى قانون قيصر إلى كل ما يعرفه المواطن السوري حق المعرفة.
الموظف الذي كان يتذمر من تدني الأجور والرواتب مع ظهور مؤشرات التضخم بعد عام 2006، غدا مسحوقاً في السنوات الأخيرة بعد الانحدار المهول لقدرة مرتبه الشرائية وفقدَ كل مقومات الإحساس بالأمان سواء في سد رمق جوعه اليومي، أو في راتبه التقاعدي على المدى البعيد واندرج بجدارة لا تقبل الشك تحت خط الفقر.
تستثمر الدول المتقدمة في التعليم المهني والتدريب إلى جانب التعليم الأكاديمي بحيث يكون المخرَج قادراً على مزاولة المهنة في حال توقفه عن التعليم.
بعد استبعاد فكرة العمل ضمن مؤسسات الدولة وغياب المهنة (المصلحة) اذ معظم جيل الآباء من الموظفين في سلك الدولة. هؤلاء ومن لم يكن منهم كان قد زجّ بأبنائه في التعليم واقصاه عن خيار المهنة أملاً في الطموح الكبير بوظيفة مؤمنة.
وفي ظل الفقر وتدني مستويات المعيشة والعجز عن اتمام مراحل التعليم، ما هي بوصلة الشباب السوري في تحديد خياراته المستقبلية؟
هذا ما يفتح أمام هذه الفئة المحملة بالطاقات الفتية والتي يعول عليها في عملية التغيير المنشود في أي مجتمع يطمح لاستثمار طاقاته البشرية أقول يفتح أبوابا قد يكون أحدها حلم السفر أو الهجرة أو العمل غير الموازي للإمكانات ولعل الأخطر من كل ذلك ومع تنامي الفوضى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية هو جنوح هذه الفئة لاستسهال الحصول على المال بوسائل غير مشروعة والدخول في نفق الجريمة والتي تصاعدت وتائرها في مجتمعنا بسبب انسداد الأفق لدى الكثيرين مع المغريات المقدمة لهم من جهات عابثة ومدارة داخليا وخارجيا.
فإذا أضفنا إليها جملة الضغوطات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والافتقار إلى تحديد الهوية والانتماء والذات المستقلة وغياب الحلم والأمان والثقة والادوات المعرفية، ما يقود الى تقييم متدن للذات وعد الإحساس بأي قيمة وللباحثين عن بذور التطرف والإرهاب بجذوره ومنابعه سيقع أولئك كفريسة جاهزة للتحول الى وحش كاسر.