ربيع مرشد يكتب: وهل يكفي التضامن؟!

ليس عبثاً عنونة النص بهذا العنوان، وجعله تساؤلاً جديراً بالنقاش: “وهل يكفي التضامن؟!”، وهل يكفي مجرّد التفاعل مع كاتبٍ تعرض للاغتيال!!. بالطبع لا يكفي، فنحن هنا أمام مشكلة إنسانية وأخلاقية كبيرة، وتتلخّص بتكبيل الحريّات بشكلٍ عام، والفكرية والفنية بشكل خاص. وقد لاحظنا كيفية تفاعل وسائل التواصل الاجتماعي مع المسألة، والتي تعتبر أهم الطرق الشعبية في التضامن مع مسألة ما، وربما رفضها، وانقسام الناس ووصولهم إلى حد القطيعة الالكترونية؛ لكننا ندرك أن هذا التضامن يأتي على شكل طفرات، قد تطول أو تقصر بحسب الشخصية المُتضامَن معها وشهرتها، وبحسب أهمية الحالة وإنسانيتها، ولدرجة مسّها للخطوط الحمراء وشدّة حساسيّة المُحرّمات؛ وبشكل خاص الدينية منها.

ومن هذا المُنطلق سوف نُلقي الضوء على مُشكلة لا يزال العالم الافتراضي يرزح تحت ثِقلها: محاولة اغتيال الكاتب الشهير سلمان رشدي، وبسبب كتابه الشهير الإشكالي: (آيات شيطانية). وبغض النظر في أنني أنا شخصياً مع هذا النص تحديداً أو ضده، والذي كنت قد قرأت قبل سنوات نسخة الكتاب المُعرّبة الركيكة، حيث بصراحة لم تمتعني حبكتها ولا أسلوب سردها؛ لكن باعتقادي أن محاولة القتل والتصفية الجسدية لم تكن هي الحل في يومٍ من الأيام، لا قانونياً ولا إنسانياً ولا أخلاقياً.

إن التكبيل والحصار والتهديد في الأدب، وإشهار عصا الملاحقة والسجون، أو القتل إن عمل الكاتب على المجاهرة برأيه من خلال مخطوط روائي أو دراسات؛ أقول بأنه لم يحل أو يقمع ولا يخفف من سطوة الفكرة، بل على العكس من ذلك، فقد انزاح الجمع البشري، وعلى مرّ العصور، نحو القلم في مواجهة الخنجر، وتعاطفت الناس مع الكاتب وليس مع القاتل، وكانت ردّة فعل الكثير من الكُتّاب، وفي حال نجوا من الموت، فإنهم سيصابون بلوثة التحدّي، والمُضي قُدماً في مشاريعهم الفكرية، وبمعزل عن الخطر الذي يلوح بالأفق.

لا شك بأن القتل باسم الله، ولأي سببٍ من الأسباب، إنما هو يسيء للذات الإلهية أكثر بكثير من الكاتب صاحب الفكرة؛ والكتاب الذي في ثناياه تنام تلك الفكرة. وهنا لا بد من سؤال: من كلّفكم بمحاكمة الرأي وصاحبه؟، ومن أوحى لكم بعقاب الآخر الذي هو إنسان مثلكم لمجرد أن لديه رؤية مخالفة لكم؟، وكيف لفتوى صادرة عن شخص ما، يأكل ويشرب ويغضب ويتغوّط ويستحم مثلنا، وربما كان هذا المُفتي في حالة من الغضب العارم حين أصدر فتواه، أن تتسبب في إزهاق نفس حرّم الله قتلها؟!!. من رشدي حتى فرج فودة، من نجيب محفوظ إلى طه حسين، هل قدمت الفتاوى حلاً؟!!، على الاطلاق. نحن هنا أمام مشكلة كبيرة تتلخّص في مسح الأدمغة، والدليل الأكبر أن القاتل باسم تلك الفتوى لم يطلِّع على النص الذي لأجله قام بمشروع القتل.

وفي المقارنة بين روايات: (المسيح يُصلب من جديد)، أو: (الإغواء الأخير للمسيح) لنيكوس كزانتزاكي، وبين: (آيات شيطانية) لسلمان رشدي، و(في الشعر الجاهلي) لطه حسين، أو (الحقيقة الغائبة) لفرج فودة…الخ. نرى الفرق في ردّة فعل القائمين على اللاهوت الكنسي ولاهوت المساجد، ففي حين استطاعت المسيحية التخلّص نوعاً ما من فكرة القتل كعقاب، وبالطبع لم يحدث هذا بين ليلة وضحاها، وتمدين وقوننة هذا الأمر بعيداً عن التصفية الجسدية، نجد أن الفكر الإسلامي لا يزال يرزح تحت ثقل الإفتاء، وتعويم الموت كحلٍّ أخير.
وفي كلمة أخيرة أقول: “لا تقتلوا الكاتب، ليس هذا الحل. لأن الفكرة خالدة لا تموت”.

شارك

Share on facebook