الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي

ديمة قاسم تكتب: مواقف طريفة في حياة النجفي

أحمد الصافي النجفي شاعر عراقي من مواليد النجف ١٨٩٧م – ١٩٧٧
شاعر إشكاليّ، نافر عن محيطه، غريب في حياته و أطواره وحتى في شعره.
يجسد شعر الصافي النجفي شكلاً من أشكال التجديد في الشعر المعاصر وإن كان لا ينتمي فعليا إلى حركة التجديد الشعرية التي عاصرها والتي تمثلت بظهور قصيدة التفعيلة/ الشعر الحر، وقصيدة النثر؛ وما أثارتاه من حراك نقدي مرافق.
عرف النجفي بشخصيته الحادة واللماحة، وعاش حياة التشرد والاغتراب، فتنقل بين عدد من العواصم منذ خروجه من العراق إثر ملاحقته من قبل الانكليز لضلوعه في التنسيق لثورة ١٩٢٠، فنزح إلى طهران و بعد ثماني سنوات انتقل الى دمشق واستقر فيها زمنا ثم بيروت حيث وافته منيته هناك.
مما لوّن ثقافته بطيوفٍ متعددة انعكست في شعره؛ لغةً، وفكراً، وأسلوباً. يجمع النجفي النقائض في شخصه وحياته فهو المفكر الفيلسوف، الذي تمرد على تقاليد النجف الشريف وافكاره واتّبع رؤاه الخاصة في الوجود، والخلود، والحياة. وهو المتصوف العاشق مترجم رباعيات الخيام والمتمثل لروحها، وهو المتمرد الثائر على المجتمع، الساخر من قيمه ونفاقه وتفكيره. تنطوي سيرته على جانب طريف مرح تناول فيه صورا من الحياة وأناسها، وهو ماسنحاول بإيجاز تقديم نبذة عنه. فمن طرائف الصافي النجفي رحمه الله :
يذكر الأستاذ الراحل مصطفى الحدري في مذكراته عن النجفي أنه / الحدري /التقى رجلا اسمه فوزي الفتوى، قضى في التعليم ٢٧ سنة، وذكر له أنه قرأ أعلام الأدب الفرنسي، ونظم شعرا بالفرنسية في صباه. وقرأ عليه شيئا من شعره بالعربية، وهو شعر مضطرب قلق، فنبهه المرحوم الحدري إلى مافي شعره من قلق، فقال: إن الصافي النجفي يصنع مثل ذلك لإبراز المعنى. فسأله الحدري : هل تعرف الصافي؟ قال : كان يأتي إلى بلدنا حماة من زمن بعيد. وقد قال فيّ بيتين حينما كنت جليسه في الميماس وهما:
كلامكَ كالغناء يلذ لكنْ
إذا ما طال يحسن منه ضدُّ
فليتك كنت كالحاكي يغني
إذا شئنا، و إن شئنا يسدُّ
يقول الحدري وقد وجدت بعد ماطال الحديث أن الصافي لم يكن مخطئاً.
و مما رواه الراحل مصطفى الحدري عنه أيضا قوله: حدثني الصافي عن رجل آخر يشبه فوزي الفتوى، هو نشأت مارديني من حلب، كان متأدباً متفلسفاً عنده شيء من العلم، فإذا سألته عن أمر شرح لك وتعرض إلى مسائل جانبية وجزئيات يضجر لها سامعه. وفيه أقول:
تفكير نشأة بالدليل مسلّح
في بحثه متمنطق بالمنطق
ما نشأة إلا كتاب ناطق
لكنه إن ينفتح لم يُغلق
وقبل أن أنشده إياهما قلت استمع لقد جاءك مدح، فأصغى، وسر بالبيت الأول و انتفخ وعندما أنشدته البيت الثاني ضج المجلس بالضحك فخجل، فكان كلما أراد الحديث نظرتُ إليه فلم يُطل.
والنجفي يستخدم الطرافة أيضا لينقل للقارئ أحوال المجتمع المعيشية فضلاً عن الأخلاقية و النفسية فمن ذلك أيضا أنه كان في سوق مدحت باشا في دمشق، فرآه تاجر وظن أنه أمير بدوي جاء ليشتري بضائع وثياباً لأهله وللرعاة الذين يسرحون بأغنامه، فبادره بالترحيب والسؤال عما يريد؛ فكتب:
كنت يومآ أمام دكان شخص
والبضاعات نُضدت تنضيدا
قال ماذا تريد؟ قلت نقودا
وفي موضع آخر يقول :
أتاني صائم والفكّ مني
يلوكُ وليس يمكنني الفرار
فقال: أمفطرٌ؟ فأجبت :كلا
ولكن ذاك للصوم اجترار
ومعروف ان النجفي كان كثير المرض هزيل البنية ضعيفها، لكنه كبير النفس عفيفها لم يعرف له شعر في التكسب مطلقا فلم يمدح سلطانا أو متنفذا أبدا وهذا ما نقرؤه في قوله:
و أميرٍ رام أن أمدحه
قلت أحتاج لمن يمدحني
إن لي فوق معاليك علىً
كنتَ لو تفهمها تفهمني
ومن طرائفه أنه ذهب يوماً إلى الحلاق من أجل قص لحيته التي طالت واستطالت وزادت في دمامته، فقال:
ذهبت إلى الحلاق يوما بلحيةٍ
كلحية شيخ، أو كلحية خوري
ولما رأيت الوجه زاد دمامة
بها، و اغتدت منها الورى بنفور
مضيت إلى الحلاق أطلب قصها
وتخفيف شَعرٍ مثقل كشعوري
لكن يبدو أن الحلاق اجتث معظم لحيته وعندما رأى وجهه في المرآة تألم كثيرآ فقد ظهرت تجاعيد وجهه التي كانت تخفيها لحيته، فهو في الحالين لم ينل الرضا.
والقارئ لشعر النجفي يلمس في أسلوبه بساطة قد تبدو للوهلة الأولى غير مستحبة وتقترب من النظم الذي يكاد بخلو من الشعرية بما فيها من جماليات الصورة والايقاع، لكن المتمعن فيه سيجد نفسه أمام ظاهرة شعرية خاصة تقدم المعنى على المبنى وتفيض بالصدق وتتلجلج في مكنونات النفس فتسبر اغوارها معتمدة على غنى لغوي ومعرفي نوعي يتكئ إلى ذهن متوقد و روح قوية، همّها ترك دروس في فهم الحياة ومغزى الوجود لأولئك العابرين الذين تعلو عيونهم غشاوة الوهم والتقليد و الأنانية.
المراجع :
● ديوان هواجس أحمد الصافي النجفي. مكتبة المعارف. بيروت. ط٣. ١٩٨٣
*مذكرات الصافي النجفي للأستاذ مصطفى الحدري /مخطوط.
* الغربة الكبرى. محمد المظلوم. مجلة الكوفة. العدد ٧/

شارك

Share on facebook