سَلَّام عزام يكتب: حياة

ماذا سيقول في نفسه ، لو ملأتْ عينيها بصورته ، وعبأتْ رئتيها بعبق المكان ، ثم أغمضتْ. وحين يتمشى محمود على أطراف كحلتها ، يتذكر سعاد. يركض بين داليات كرمها المعرشة فوق روابيها.. وبنظراته يقطف ما طاب له ، ويتذوق طعم ثمار نضجت على مهل بين الظلال هناك: خلف الأكمة. ” حياة ل ِ محمود قال الجد ” بعد أن توفيت والدتُها بحمى النفاس..
صارت شجرة التوت تطعم أهل القرية .ومازالت تذكر كلمات الجد ” إياكن التوتة!..هاي حياة “
زرعتْها أم حياة قبل موتها ، وكانت تحكي لها :
“إذا ألله طعَمْنا ولد : دار عمي يسمَّوه .. وإذا ألله طعَمنا بنت بْ سمِّيها حياة “

أبو محمود يستمع إليها ويضحك . قال حينها : انشاء الله بالسلامة إلك ..وخيِّي ألله يرحمه

لم تعرف حياةُ أمَّها. تربت في بيت عمها ، مثلها مثل محمود . وحين صار شابا كان يجلس بجانبها. لا تستطيع النظر في عينيه . كم تمنت ذلك . كم تمنت أن يحضنها ويضمها إلى صدره. هي لم تستطع حتى أن تفكر في ذلك ، ماذا سيقول عنها ..

الآن تضمه إلى صدرها . ولم تستح من عيون نساء القرية. لثمتْ وجهه ، وبلل دمعُها جبينَه الشاحب وأنفه وشاربيه وظل صوتها يتردد في كل المكان: ” لمن تركتني يا غالي لمن سأعيش بعدك ؟ ”

وتأتي الإجابات صدى لروحها وأسئلة جديدة ، وإجابات ناقصة ..وقطعة قماش تطرز عليها لوحة لم تكتمل. في ذلك المساء قالت لروحها وهي تبكي ” سأعيش على ذكراه لن أتزوج في حياتي إنه عمري ” في ذلك المساء استعجلت ِ القرية بعدِّ قامات الفلاحين وظلالهم المتمايلة بين الإضاءات الخافتة ، وظل في ذاكرتها وداعُ محمود المبكر .

كما السماء في آخر ليلها ، تعرف كيف تخبئ زينتها . والقمر مشغول عند الأفق يودع تألقه . ونجمة الصبح ترقص فوق رعشتها وفي ذاكرتها آخر حكايات الليل . كعادته .. الضوء في أول الصباح يهلل لأغاني الريح الخفية ، ويرمي كل الظلال فوق الوعر المتمدد.

ذات يوم ، كان الصباح هادئاً، والدفء يملأ المكان، وقلب حياة يصغي لأغانيه، بدأ يرقص ويطيِّر روحها عصافير دوري وحساسين.. وأحجال تفر من النافذة.
بدأتْ تسرح شعرها …
… وتكمل تطريز لوحتها فرحاً..
يتوزع في فضاءات الكون

شارك

Share on facebook