السويداء والأسئلة والوطنية

لعبت السويداء عبر التاريخ دوراً بارزاً في الصراعات السورية، لم يكن هذا الدور مرتبط بحكمة أبناء المحافظة، أو بالصوابية السياسية في قراراتهم، بقدر ماكان مرتبط بشرط وجودهم الجغرافي والجيوسياسي، ودور القوى الوطنية السورية في دفع أبناء السويداء للعب هذا الدور.

وفي استذكار حادثة قيادة الثورة السورية الكبرى من قبل عطوفة سلطان الأطرش، فإن القارئ للتاريخ، يعرف أن خيار القوى الوطنية السورية وقع على الأطرش بقصد الوقوف في وجه المشروع الطائفي الذي خلقه الاحتلال آنذاك، وتسمية المناطق بأسماء طائفية، حينها عرفت القوى الوطنية، وبعض الأحرار من البرجوازية الدمشقية، أن الدفع بأن تقاد الثورة من السويداء قد يكون أهم عوامل الوقوف في وجه التقسيم، لأنه سيبث الروح الوطنية في نفس أبناء الجنوب، لتعلو فوق الهوية الطائفية والانتماءات الضيقة، وهذا فعلاً ماحدث.

إن الفهم لهذه التجربة يساعد تماماً على فهم الواقع اليوم، فإحياء الحس الطائفي والمناطقي اليوم، هو طعنة في ظهر ذاك النضال الذي حصل أيام الاستقلال، في حين فهم الدور الذي لعبه “الأطرش” ورفاقه في ذلك الوقت، يجعلنا نفهم حجم الدور المنوط بأبناء السويداء اليوم، وبالتالي لايمكن لأي مشروع مستند للهويات دون الوطنية أن يشكل حلاً سورياً، “وهذا السرد لا يعني أننا أصلاً مؤمنون بالهوية الوطنية، فالمطلوب هو هوية الدولة وليس هوية الأفراد، والهوية بهذا المعنى هي شكل الحكم، والاقتصاد الذي يطبق على جماعة ما بغض النظر عن هذه الجماعة” فالقيمة للدولة وليس للوطن، والدولة لاتحتاج مواطنون يحملون تاريخا مشتركا ولا عادات مشتركة، بل تحتاج لضوابط قانونية ومواطنة فاعلة”

إن الكثير من الدول اعتمدت الفيدرالية في إدارة البلاد، ولكنها اعتمدتها كآلية حوكمة وإدارة، وليس لتعزيز سلطات أمر واقع قد تكون غير قادرة على الحكم، وبالتالي الفيدرالية هي لتسهيل الإدارة وليست لحل النزاعات، وتحتاج لفهم وتنظيم مدهشين، في العلاقة بين المركز والأطراف وتوازن المقدرات، وفهم البنى التحتية ورأس المال المجتمعي…الخ

لذلك نعتقد أن القوى الوطنية في السويداء، قادرة اليوم على لعب الدور الحقيقي في وقف الانسياق وراء مشاريع من شأنها أخذ البلاد للفوضى والاقتتال، بل إنها مدعوة لإطلاق مشروع وطني شامل، يفتح ثغرة في جدار الجمود السياسي في سوريا.

ولايمكن أن تمر المشاريع الوطنية عبر العسكرة، ولا الفصائل، خاصة تلك التي تسبق المشاريع، فالمشروع السياسي الذي يظهر بعد انشاء جناح عسكري، هو يشبه إلى حد كبير فكرة حكم العسكر، وفرض السياسة بقوة السلاح، وهذا يعني تعزيز الاستبداد، إن اي مشروع سياسي يستند للسلاح هو مشروع تدميري، وإن أي مشروع سياسي لا يضع في أولوياته كسب الشرعية من تطلعات الناس واستقلال القضاء، وتوزيع الثروة، والنظر للاقتصاد وللعدالة الاجتماعية كحامل أول فهو مشروع لإطالة الصراع وذر الرماد في العيون.

مقال رأي تم إرساله من أحد أصدقاء الصفحة.

 

شارك

Share on facebook