أسامة هنيدي يكتب: عن سوريا وإبراهيم صموئيل والناس

في قصته البارعة، الناس، الناس، الصادرة عن دار الجندي عام 1990 يكتب القاص السوري الفذ إبراهيم صموئيل عن عدة نماذج حية تصرفت وتحدثت، والغريب بالأمر كما تتحدث اليوم وكما تتصرف اليوم.
تتحدث القصة عن سائق أرعن لحافلة نقل عمومية يقود بتهور على طريق زلقة مغامرا بمصائر من معه من ركاب، للحظة التي ينبري فيها أحدهم بالاعتراض على طريقة قيادة السائق الأمر الذي يجعله يوقف الحافلة رافضا مواصلة القيادة وتحريك الحافلة الا اذا نزل هذا الراكب ( كثير الغلبة ) كما وصفه السائق وكررها أحد الركاب وفي ثنايا الجدل الذي دار بين منطق المعترض المدافع عن حقه وحق غيره في الوصول بأمان وبالتالي الحياة وبين منطق السائق المتعجرف والعنيد والمتهور، أقول في ثنايا ذلك يرصد إبراهيم صموئيل بحرفية بالغة ردود أفعال الناس على هذا الموقف ولعل ذلك مما له دلالات كبيرة ورمزية كعادة الأدب الرفيع.
يقول أحد الركاب وفي تصغير للثيمة الكبرى التي دافع عنها الراكب المعترض: وكلو الله يا جماعة الشغلة مو محرزة بينما يلقي راكب آخر باللوم على المعترض بالقول: ولك ليش من كل هالناس ما حدا حكى غيرك؟
بينما ينسحب آخر انسحابا نهائيا وفكاهيا: اللي ببيت أهلو عمهلو ويقول آخر: المستعجل يأخذ تاكسي وينبري رابع: هو موظف (أي السائق) وبيعرف مصلحة الناس أكثر منك، فهمت؟
إن قصة صموئيل ومن عنوانها الذكي” الناس، الناس” هي قصتنا المعادة بطرق أكثر دموية
هي قصة الخوف من سلطة ما حتى ولو كانت مرتبطة ببضع حركات آلية لرجل يجلس خلف مقود لحافلة عامة والذي رد على استنكار الراكب القائل: شو باص أبوك هادا بالقول إي باص أبي ونص.
هي قصة الاستهتار بحيوات البشر والنظر إليهم كما لو أنهم حمولة لا أكثر، هي قصة جبن مشوب بمصالح جدا ضيقة وتعام عن أهداف وحقوق إنسانية عامة، هي أيضا قصة البسطاء الذين يريدون سلتهم بلا عنب إما عن حاجة وإما عن خوف مقيم بفعل التجربة التي علمتهم عبارة” ما متت، ما شفت مين مات؟
هي قصة قمع لأي مختلف حتى لو حمل صليبه ومشى حاملا هموم أبناء جلدته الذين يمعنون في رميه بالحجارة قبل تعليقه على الصليب.
تزاحمت الأيدي تدفعه:
– حاجتو فلسفة.
– مو ناقصنا محامين.
– منشان زلمة نتعطل عن شغلنا؟
-نزلو متنا من البرد.
وكانت تعليقات الركاب بعد نزول المعترض:
– شد الله مع دواليبك.
– روح، لا تلحقني مخطوبة.
– مر وعدي بس أوعى التحدي.
وعادوا ينخطفون إلى الخلف، شهقوا، يتمايلون، يتلاطمون، مبسملين، قلقين مذعورين.
أما هو فقد انتهت مغامرة دفاعه عن حقه وحقهم بمشهد سينمائي جدا:
حزينا، مفردا، تحت المطر، يحاول مداراة خيبته واستياءه بتطويحات طائشة من يديه.
والسؤال الذي يطرح دائما وخاصة في الحالة العربية عموما وفي السورية على وجه الخصوص أن السائق ليس بالضرورة حاصلا على ما يؤهله للقيادة، ومتى سنتعلم أن نشق طريقا لا مخاطرة فيه، خال من الحفر والمطبات، ومتى أيضا وأيضا سنتعلم التفكير بحقوقنا البديهية دون خوف أو قلق، ومتى سننزع عن المختلف عنا وعن السلطة أيا تكن صفات من قبيل” كثير الغلبة” و”حامل السلم بالعرض” سيما أن البلاد تحتاج الى كثير من ” الغلبة” أي الاعتراض على كثير من الأخطاء بل والخطايا التي ارتكبت وترتكب بحق الناس وتحتاج أيضا لمن يحمل السلم عرضا وطولا لصعود الناس،كل الناس نحو حقوقهم التي لا يجب أن تمس.

شارك

Share on facebook