نستطيع أن نجد مصدرا هاما لانتشار الكراهية بين الأفراد و الشعوب و الدول عامة، يتمثل في صناعة خطاب الكراهية و تعميمه و تسويقه بين الناس من قبل مراكز صناعة القرار العميقة، بغض النظر عن تجلياته في السياسة الدولية على السطح الذي نراها في الخطاب الإعلامي أو سواه. و هذا ما تحدثت عنه السينما العالمية في فيلم ( الكاره ) على سبيل المثال لا الحصر.
و معلوم أن تجارة الأسلحة تعد من أهم مصادر الدخول المالية و تراكم الثروات في أيدي من يديرها، و هي لا تنتعش إلا باستمرار بؤر التوتر و الاضطرابات و الحروب في العالم. و هنا لا بد من ملاحظة مفارقة هامة؛ أن كيف لمنظمة الأمم المتحدة أن توفق بجهودها لمكافحة خطاب الكراهية بينما أصحاب الأمر فيها هم من أكبر الدول المصنعة و المصدرة للسلاح؟!
و بهذا الصدد فقد أورد إريك فروم في كتابه ( المجتمع السوي ) أنه : (( من العام 1500 قبل الميلاد حتى العام 1860 ميلادي، قد تم توقيع ما لا يقل عن ثمانية آلاف معاهدة سلام، يفترض في كل منها أن تحرز سلاما دائما، لكنها لا تدوم لأكثر من سنتين.)*1
( *1 – إريك فروم- المجتمع السوي- ص141- وزارة الثقافة- دمشق- ترجمة محمود منقذ الهاشمي.).
و على الرغم من عدم وجود تعريف دقيق لخطاب الكراهية، فإن باستطاعتنا الاستئناس بالتعريف الذي صدر عن الأمم المتحدة على أنه : ( أي نوع من أنواع التواصل – كلام- كتابة- سلوك- يهاجم أو يحقر أو يميز الآخر على أساس ديني أو إثني أو جنسي أو قومي أو عائلي أو جندري، أو أي عامل هوية آخر. ).
يميز فرويد بين (( النرجسية الطفلية الأولية كظاهرة طبيعية تتماثل مع نمو الطفل الفيزيولوجي و الذهني الطبيعي، و نرجسية لاحقة ثانوية تستمر إلى مراحل عمرية لاحقة، أو ترافق المرء في حياته كلها، حيث يحدث ذلك إذا أخفق الطفل النامي في تنمية القدرة على المحبة، أو عانى من فقدها مرة أخرى، و النرجسية هنا هي ماهية كل حالة نفسية مرضية، و عند الشخص النرجسي لا يوجد إلا واقع واحد؛ هو واقع عملياته الذهنية و مشاعره و حاجاته الخاصة، و العالم في الخارج لا يفهم موضوعيا، فيمحى من وجوده الموضوعي المستقل عن الذهن.))*2
(*2- إريك فروم- مذكور سابقا- ص141).
و هي نرجسية حضارية قائمة على عقدة التفوق و ازدراء الآخر المختلف و احتقاره، و هي وهم يعيشه المرء بصفته ممثلا لحضارة ما، أو قومية ما، أو عرق ما، أو دين ما…الخ، للتعويض عن شعوره العميق اللاواعي بالسحق و فقدان كرامته الشخصية أمام أسياده، أو أمام السيستم العام القابض على روحه، أو أمام الله، أو أمام الطبيعة.
و يقول فرويد في كتابه ( مستقبل وهم ): (( قد يكون المرء الذي ينتمي إلى بؤساء العامة فريسة لكل أنواع الاضطهاد و الذل في بلده، لكنه بالمقابل مواطن جرماني – أو أميركي، أو فرنسي- له نصيبه من مهمة السيطرة على الأمم الأخرى و إملاء القوانين و الشرائع عليها، إذ يعوضه ( الحق ) في احتقار أولئك الذين لا ينتمون إلى حضارته عن الإجحاف الذي يكابده داخل جماعته بالذات.)).
ينطلق الكاره في تعامله مع الآخرين و الحكم عليهم من عالمه النفسي غير المتوازن، و من عدم تقبله لفكرة أن آخرين لهم مثل حقوقه في الوجود لكنهم يمتلكون أفكارا غير أفكاره، و دينا غير دينه، و لهم لون بشرة مختلف عن لون بشرته، و لغة مختلفة عن لغته، و كأن هذا الكوكب وجد لأجله فقط. و اللاعقلانية هي ضرب من التفكير المضطرب ناتج عن عجز في فهم الحياة و شؤونها من جهة، و عجز عن فهم أنفسنا كذلك، و يقول أبيقورس في هذا الصدد: (( لا يضطرب الناس من الأشياء، و لكن من الآراء الخاطئة التي يحملونها عنها.)). فيصبح العالم و قاطنوه و تفاصيله مجرد تصورات ذهنية في دماغ أحد ما.