باب على الدم التي صدرت طبعتُها الأولى في يوليو/تموز 2021عن دار كيوان للطباعة والنشر والتوزيع هي الرواية الأولى للكاتبة السورية فريال زيدان :
( ترجَّلوا .. هيا ترجلوا .. كانت المرة الأخيرة عندما نظرتُ حولي لأجدَ زملائي يغادرون الحافلة مسرعين. أحاول اللحاق بهم .. انتظروني.. انتظروني ..تلك هي الطريق الوحيدة للعبور . لا خيار آخر. يبدو الرصاصُ كثيفاً وغادراً دائماً .. لا بد من السير على (الأحمر) .. ) ص 12
( ما زلت ِتذكرين ذاك الدم العالق بحذائك رغماً عنك ِ. إنه دمُك ِ، دمُ أخوة ٍلك ِ..) ص 18.
إنها الجحيم : جحيمُ الحرب ، وهذا صوتُ فردوس : الشخصية المحورية في الرواية ، وساردةُ أحداثها . ففي همجية ، وعشوائية الحرب قد تكوْن ، بالصدفة ، في دائرة انفجار ما : يرتفعُ السرير، ثم يهوي بك َعلى الأرض . إذ يعوْدُ إليكَ شيءٌ من رشدُكَ ، تهُمُّ ، في هلع ، بالخروج من الغرفة كي لا تعلقَ تحت الأنقاض ، تمدُّ يدكَ إلى قبضة الباب : ما من قبضة ، ما من باب . الباب ، لشدة الانفجار انخلع من إطاره ، يدك َ ممدودة في الفراغ ، لا تستطيع استيعاب اللحظة ، تظنُ أنك َ تحلم ، تباغتك َفكرة ُ أنك ميت ، تتفقَّدُ جسدك ، تُغمضُ عيناً وتنظرُ بالأخرى ، تكتشفُ أنكَ ترى ، تستنتج أنك لم تمت ( ..أتلمَّسُ قدميَّ بيدي ..أتأكدُ من أنني لم أمُتْ) ص 13 لحظة الهلع هذه التي تدفعكَ عنوة إلى عتبات الجنون امتدَّتْ ، بالنسبة للسوريين ، عشرة أعوام حتى اللحظة ، وقد تمتد أعواماً :
( عقدٌ في الزمن ..يضيع في الخوف ) ص15. والدمُ العالق بحذاء فردوس يربك عقلها ويقوض حياتها : ( إيه يا فردوس لولا تلطخ روحك بذاك الدم الذي انتعلته رغماً عن أنفك لما كنت ِ هنا الآن ) ص48 . الدم يستبد بها ، يحاصرها ، ولا تستطيع الفرار منه ، ولا نسيانه . تفتتحُ فردوس خطابَ السرد هكذا :
(الدم العالق على حذائي ما يزال عالقاً على حذائي ) ص 11 . وإزاء ذلك يصير لزاماً عليها ، أن تُعيدَ ترتيب قدميها ، كيفَ ، وأين تقف ، وكأنها ، بشكلٍ غير مباشر ، تحاور القارئ :
في هذه الحرب ، أين تقفُ ؟ ما موقفكَ من الحرب؟ وبذلك تحقق الكاتبة غرضاً سردياً هاماً.
وفردوس مرغمة على الذهاب إلى العمل وإلا فإنها تجوع وأولادها ، تذهبُ وهي تدرك أنها قد لا تعود، تُقبِّل أولادَها وهُم نيام لتكون ( رائحتُهم آخرَ رائحة تحملينها في رئتيكِ إلى العالم الآخر ) ص16.
( يا إلهي .. دم مرَّة أخرى .. كم أنا محكومة بهذه الصبغة ) ص 13 .
يصيرُ الجسدُ ، الأنثوي خاصة ً، امتداداً لخطاب السرد : هذا هو الملمح الفني الأول ، والأبرز في الرواية. والجسد يتعرى في اللغة / السرد ( أتحسس جسدي المرتعش .لابد أن هناك شهوات لم نعشها ) ص 21 ( معه أتعرف على روحي وتفاصيل جسدي كأنني أكتشفه من جديد ) ص77
إنها الغربة التي تنسيكَ جذورك واسمكَ . تدركُ فردوسُ ضراوة عزلتها وتوقن أنها محاصرة ، وأن لا خيار لها ( آه يا فردوس الوحيدة المقطوعة من شجرة ) ص40 لكنها لن تسمح للعزلة أن تجرفها وتُطفئَ الوهج في روحها وتوقُّدَ الرغبة في جسدها ، فتصيرَ كالكثيرات من النساء اللواتي يخفن من الاعتراف بشهوات أجسادهن ( لكنك ِ لست ِمثلهن .. أنت تعشقين جسدك .. تذوبين في منحنياتك تغدقين عليها بالحب .. كان عليكِ أن تفعلي ذلك يا فردوس كي لا يأخذك اليأسُ عن آخرك ) ص 43 و44. سردُ الجسد الأنثوي واحتدام الرغبة فيه : انعطافة ٌ في السرد : من الشأن العام( الحرب ، البلاد ، الشعب..) إلى الذاتي / الفردي ( ها أنت ِتغوصين شيئاً فشيئاً في عالم فردي .. تكتبين بدمك الراغب بصراعات داخلية تأخذك ِحدَّ الجنون ) ص41 هنا يتحقق ملمحٌ فني هام وغرضٌ سرديٌ لا يقلُّ أهمية ً: الحرب التي تقوض كل شيء تقوض ُ ، أيضاً ، شكلَ الرواية. إنها سطوة الحرب التي تهيمن ، وتستبدُّ بخطاب السرد .