فرحان ريدان يكتب: في ظلالُ الدُّمى

شاشة بيضاء مشدودة ،كشاشة سينما ، لكنها أصغر قليلاً
أنت َ أمام الشاشة . على جانبيك ، وفي الصفوف التي وراءك، والتي أمامك :

أشخاص يشبهونك .أنتم ، الذين أمام الشاشة : متفرجون .

وراء الشاشة : دُمى . وراء الدمى : ضوء . لدى تشغيل الضوء :
تسقط ظلال الدمى على الشاشة . أنتم ، المتفرجون ، ترون الظلال

ووراء الشاشة، أيضاً : محرك الدمى : ومانحُ أصواتها .

أنتم ، المتفرجون : ترون ، أيضاً :شخصاً حقيقياً : رجلاً من لحم ودم
ذا ياقة منشَّاة ،وبدلة مكوية ، وحذاء لامع ، يقف أمامكم مرحِّبا ويقول :
تجيء وتمضي بابة ٌ إثر َ بابة ٍ

وتفنى جميعاً والمحركُ واحد ُ

تصفقون له ، ينحني ، ثم ، وهو ينسحبُ ، تحدثون أنفسكم : ما ألطفه !
وتفكرون: “معه حق ،نحن ، البشر ، فانون ،نجيء ونمضي ، جيلاً بعد جيل ،ولا

يدوم إلا وجه الله ” ، في حين أن ذا الياقة يتحدث عن محرك الدمى .

تُطفأ الأضواء وتبدأ الفرجة . ترون ظلالاً . لا ترون محرك الدمى ، هو لا يظهر
حتى أنه ، بعد انتهاء العرض ، لا يُحيَّي الجمهور . ليس هذا فحسب :
هو لا يظهر على شاشات التلفزة ، ولا ترون صُورَهُ في صحيفة أو مجلة
هذا فن : اصطُلحَ على تسميته : خيال الظل . في حين أنه : ظلالُ دُمى

هاجي واز : أشهر دمية فيه .معنى هاجي واز : الحاج عوض . اللفظة تركية.

هو : عيواظ
وصديقه قره جوز ، يعني سواد العين : هو : أراغوز : كاركوز : الذي يقوم بابتكار مقالب

بهدف توريط صديقه عيواظ ما يجعلكم تحبسون أنفاسكم ، وأنتم ترون على الشاشة شخصاً / ظلاً : يتخبط في معضلة كقطاة تجاذب فخاً . ربما تضحكون، وقد يستمتع بعضُكم وهو يرى القطاة تتعذب.

من دون أراغوز ، والحجّي : لا يستطيع محرك الدمى فعل شيء : هما ذراعاه ، ورئتاه

لكن من دون متفرجين : لا ياقة منشاة ، ولا أراغوز ، ولا حجِّي ، ولا مسرح ، ولا حَلَبَة

من دون متفرجين :لا فرجة ، ولا دمى ، ولا ضرورة ، بالتالي ، ل ِمُحرك دمى : ماذا سيحرك؟

لا يسمحون للأطفال بالدخول إلى عروض ظلال الدمى . الأطفال فضوليون

لن يخرجوا من المسرح قبل أن يعرفوا ما الذي يجري وراء الستارة / الشاشة

سيندفعون إلى المنصة وينطُّون فوق الدمى ، وذي الياقة المنشاة ، غير عابئين بشيء

ولا يثنيهم شيء : لن يتراجعوا حتى لو انطبقت السماء على الارض.

أما ، الكبار ، الوقورون ، الحكماء الذين اعتادوا أن يكونوا متفرجين

فقد مات فيهم الفضول . لذلك يمقتون الصغار ، وما إن يندفع الأطفال

إلى الحلبة / المنصة حتى ترى الوقورين أولَ من يقف ، ويعترضُ طريقهم .

عرفَ العربُ ظلال َالدمى منذ العصر العباسي. وربما قبْلَهُ . قبلَهُ بكثير.

شارك

Share on facebook