القصة الفائزة بالمركز الثاني لمسابقة أبجد بدورتها الثالثة
كوّمت الطحين فوق الطاولة، أحدثت حفرة في منتصفه، رمت الخميرة والملح في الحفرة ثم ملأتها بالماء الدافئ وراحت تعجنه…شعرت برغبة في البكاء لكنها قاومتها، فالبنات على وصول ولا تريد أن تفسد فرحتهن.
تابعت مزجه حتى تجانس، كوّرته وأخذت تطبطب عليه، لتنزع آثاره عن أصابعها، فبدا مثل طفلٍ صغيرٍ دون ملامح، (طفلٌ مُلقى على بطنه، وتصفعه الضربات الحنونة على ظهره ومؤخرته) خالط حزنها جذلٌ هيّجته نسمة باردة.
غطته بقطعة قماش قطني. ثم جلست تنتظر والرغبة في البكاء تراودها كما أن شوقها لأمها التي توفيت قبل أشهر يهبُّ من جديد. … كانت الأم أيضاً بارعة في إعداد العجين
أحسّت بماء مالح يصعد نحو قلبها وينحسر، رغبة بالبكاء تراودها والدموع الحبيسة مثل سجين خلف قفصها الصدري، تطرق على باب قلبها فتتظاهر بالصمم.
تدّور العجين في راحة يدها، تقطّعه إلى كرات صغيرة، تضع الكُرات لصق بعضها وتزنها بعينيها، على القطع أن تكون متجانسة، وعلى الكميات أن تكون بمقادير ووزن وحجم واحد.
“شكراً لك ” قالت وهي تراقب حقيبته ذات العجلات تكرُّ فوق البلاط.
…….لا تتركيه كثيراً فيقسو ولا تتعجلي فيصير له طعم الرمال.
في شقته تتذوق الأمان والقبل التي يغمرها فيها كل ثانيتين، ويتذوق هو البرك والأكلات التي حرمه منها موت زوجته، تسقي علب الورد، تركض مندهشة من الليونة التي في جسدها، تعود صغيرة في العشرين، تضع الكحل في عينيها، ثم تقفز أمامه مثل ظبية. يركض ويركض ولا يستطيع مجاراة رشاقتها، يفرد يديه كما كانت أمها تفعل، فتقفز نحو أحضانه، تغرس رأسها في صدره، فتنقر الدموع على باب قلبها، -دموع من كل شكل ولون. دموع فرح، دموع عتاب، دموع تريد أن تطفر كي تسأله: لمَ تأخرت كل هذا الوقت، وأين كنت؟
توارى ليستر عريه، منذ متى وهو يرتدي الثياب في حضرتها، دفعت الباب برفق ودخلت، ابتسمت ومدت يدها لمصافحة الشابة التي اتسعت عيناها ببلاهة ثم تحولت إلى تحدً سافر، ما جعل الشابة تجلس على طرف الأريكة وتطوق رقبته بذراعيها أبعد يدها بأناة، وطلب منها قهوة؟ كانت تتصرف وكأن البيت بيتها، لم ترتطم بكرسي. تحركت بثقة وحرية.
بدأت تمطر بغزارة فاهتاج الأسير، خمش قلبها بأظافره، وبدأ يخط على جدرانه، أسماء الحزن التسعة والتسعين. وصلت إلى البيت، ركضت نحو بناتها وعانقتهن معاً وهي تصيح: سأصنع غداً لحمة بعجين.
انحنت أمام الفرن تحدق في البرك المتفحِّمة يلفها بذهول، الآن استيقظت من القعر، فتحت عينيها كان الملح قد غمرها، وكانت بشرتها تجعدت، سبحت بكل قوتها، كي تخرج من القعر. في هذه اللحظة حطم الأسير أبواب القلب واندلق نهر دموع، عَبَر الصالة، حطم الباب، توزع في كل الشقق والبيوت مر بالأشجار فأورقت، غسل الشوارع كما لو أنه مطر أو أنه نهر يفيض.
الجارات اللواتي سمعن انتحابها، أرسلن أزواجهن مع قائمة مشتريات مستعجلة، الأزواج الذين داسوا في برك الدموع حتى الركب، رفعوا بناطليهم وخلعوا أحذيتهم ونظروا للسماء يهمسون: خير …خير