أبو محمود يستمع إليها ويضحك . قال حينها : انشاء الله بالسلامة إلك ..وخيِّي ألله يرحمه
لم تعرف حياةُ أمَّها. تربت في بيت عمها ، مثلها مثل محمود . وحين صار شابا كان يجلس بجانبها. لا تستطيع النظر في عينيه . كم تمنت ذلك . كم تمنت أن يحضنها ويضمها إلى صدره. هي لم تستطع حتى أن تفكر في ذلك ، ماذا سيقول عنها ..
الآن تضمه إلى صدرها . ولم تستح من عيون نساء القرية. لثمتْ وجهه ، وبلل دمعُها جبينَه الشاحب وأنفه وشاربيه وظل صوتها يتردد في كل المكان: ” لمن تركتني يا غالي لمن سأعيش بعدك ؟ ”
وتأتي الإجابات صدى لروحها وأسئلة جديدة ، وإجابات ناقصة ..وقطعة قماش تطرز عليها لوحة لم تكتمل. في ذلك المساء قالت لروحها وهي تبكي ” سأعيش على ذكراه لن أتزوج في حياتي إنه عمري ” في ذلك المساء استعجلت ِ القرية بعدِّ قامات الفلاحين وظلالهم المتمايلة بين الإضاءات الخافتة ، وظل في ذاكرتها وداعُ محمود المبكر .
كما السماء في آخر ليلها ، تعرف كيف تخبئ زينتها . والقمر مشغول عند الأفق يودع تألقه . ونجمة الصبح ترقص فوق رعشتها وفي ذاكرتها آخر حكايات الليل . كعادته .. الضوء في أول الصباح يهلل لأغاني الريح الخفية ، ويرمي كل الظلال فوق الوعر المتمدد.