نحن نعلم بأننا ربما لن نُقدِّم أو نؤخر في مرجعيات هذا الفكر الجامد، والمُتخلِّف، والوحشي. لكننا، وبالوقت ذاته، ليس بإمكننا التواري خلف أسمالنا المُهترِئة، ومُعتقداتنا البالية، وغضّ الطرف بضعفٍ مُقذِع أمام القضايا الكُبرى التي تخترقنا حتى النخاع. تلك المسائل ذاتها التي تخطّتها المجتمعات الأخرى منذ ردحٍ طويل، والتي تمسّ حتى الصميم أخلاقيات وجودنا.
أنا هنا أتحدث عن: “جريمة الشرف”، والتي لا تمتّ للشرف بصِلة، لا من قريبٍ أو من بعيد. وبالتالي، فقد كان لزاماً علينا مناقشة هذا الأمر مليّاً، والعودة ببساطة لهذا المصطلح الجوهري: “ما هو تعريف الشرف؟”. إن الشرف يا سادة ليس أن تقوم بقتل أختك بحجّة: غسل العار، وأنت الذي يلفك هذا العار لفّ القِماط للخُدَّج. أليس أن لا تجد قوت يومكَ هو عار؟، أليس أن تُخرج ابنك من المدرسة، حتى يعمل على تستر عريك من غول العوَز، هو العار الكبير؟، ألم يكن تواريك عن مشاكل بلدك، كما النعامة التي تغمر رأسها في التراب هو عار، لكن بطريقة أخرى؟، ألم يكن إشاحة وجهكَ عن امرأة تأكل من حاوية القمامة، هو العار بعينه؟، عدم قدرتك على رفض آفة المُخدرات؟، سكوتك عن خطف شابٍ أو فتاة وأنتَ جالسٌ تتفرَّج، وتقول: “يا أخي ليس لي علاقة، إنهم يمتلكون السلاح، والعين لا تقاوم المِخرَز”….الخ؛ لكنك، وفي الوقت نفسه لا تتوانى عن ذبح أختك إن عشقت، بحجة: غسل العار. يا لهذا العار!!.
لطالما كان الدم المسفوك هو الأمر الأشدّ عاراً لدى الإنسانية الحقَّة، وجميعنا يعلم، وحتى إن لم نعترف، لكننا نعرف تماماً، بأن القتل لم يكن يوماً هو الحل؛ وإنما هو أساس المشكلة، هناك حلولاً كثيرة تُحيّد الأخ عن قتل اخته التي ربما أخطأت، وربما لا؛ لكن الأمر ببساطة يتجلّى بنشوة سفك الدم. فمنذ الفتاة الأولى التي هربَت مع حبيبها الذي اختارته بملء إرادتها، واستطاع الأهل جرّها بخبث، وعودتها إلى بيت طاعة الذكورة، الذكورة وليس الرجولة، ومن ثم قتلها وتخضيب الكفوف من دمها على الجدران، الجدران التي تصرخ ألماً بصمت؛ هل توقف الأمر عند هذا الحد؟!. أبداً لم يتوقف ولن يتوقف، لأن الحب دائماً أقوى من الموت.
لا تقتلوا بناتكم ولا أخواتكم، لأن دمهنّ سوف يلاحقكم حتى في كوابيسكم، فضلاً عن يقظتكم؛ لا تقتلوهنّ حتى لا يموت الشرف فيكم، فتصبحون كما السُلام، كما الحصا المغسول في ماء النهر الأخلاقي، والذي سوف يجرف كلّ مُعتقداتكم التي أذابها التاريخ، أو سوف يذيبها يوماً ما، فيحاسبكم حتى ولو كنتم أمواتاً.