في الطريق نحو بيته الحقير – والذي كانت الفئران جائعة فيه – أخذ يحدّث نفسه:
* “هل أخطأت؟، لا لم أفعل إلا ما أملاه ضميري علي”. “ليس صحيحاً!، لم يكن الضمير هو ما ردعني، وإنما الخوف، يعني لو لم أكن جباناً ورعديداً، لكانت الأمور بألف خير، كنت كالذئب بين قطيع من النعاج”، “لكن لماذا لا أفترض العكس، يا إلهي، لا لا أنا سعيد هكذا”.
– أنت سعيد ها؟!، اخرج من وحش فقرك الذي يفترس كل شيء فيك. قال الأحمر.
* “إنه محق، نعم سأخرج منه، سأنطلق إلى حيث رغد الحياة، وسأسجد لسلطان المال الهيّن اللذيذ، سأنصت له، سأفعل كل ما يمليه عليّ، فهو أدرى بمصالح المجتهدين المكدِّين، نحو صخرة اللاجوع، واللافقر، واللاأمعاء الفارغة، ماذا في ذلك؟، طوال حياتي وأنا أعمل لأجل حفنة النقود، الأشبه بالزكاة التي تهبني إياها حكومتي مطلع كل شهر. انتهينا، سأحلق عالياً، سأترك أرضي القاحلة وأبحث عن جنة مليئة بالطيبات”.
– لكنك ستسيء لسمعتك العطِرة التي بنيتها لبنة لبنة. قال له الأخضر.
* “والله صحيح، حين أتعّرى من قيم الإنسان، سأتحول لوحش كاسر، ستنعدم إنسانيتي، فلن أنشغل بعاجز، ولا ألتفت لفقيرٍ مثلي. عليَّ أن أصنع دربي بكدِّي. ليلةً أنام فيها مرتاحاً، أفضل من معدة مليئة بالكوابيس الفاضحة. نعم فاضحة، ليست مشكلتي ما قد يعرفه الآخر عني، بل ألم استتاري بغناي المادي، وأنا الفقير بروحي العفنة”.
– هذه ضربة العمر، سلامي لأخي الذي لم ألتقي به منذ ولِدنا مع آدمكم وحَّوائكم.
* “آه، عاد الأحمر، ماذا أفعل؟، هل أتبعه، أم ألتفت لما يقوله الأخضر؟، ما هو التصرف الصحيح؟، إني مشوّش جدّاً”. “ثم أنه لماذا لونهما أحمراً وأخضراً؟، ماذا أصنع بمخيلتي التي اختارت لونيهما؟!، هل هما توأمان؟، الشبه مرعب بينهما، هل يعقل أن الفوارق بينهما هي الأصبغة التي في مخيلتي فقط؟، كيف نعرِّف الألوان نحن البشر؟، وكيف تكون لنا الرؤيا نفسها؟. إن كنا مختلفين بالطبائع، فكيف نتفق بالخصائص؟”. “ما يهم الآن ألا أتركه يغريني، ابتدأت حياتي نظيفاً، وسأنهيها بذلك الترفع، سأترك لأبنائي إرثاً طيباً سليم البنيان، من استقامة وشرف وعزّة”.
نام ليلتها كأصفر إشارة المرور، استيقظ فوجد الأحمر بانتظاره.
– أسعدت صباحاً أيها الأخضر الجليل ؟… قال.
ضحكَ الأحمر حتى دمعت عيناه، طبطب على كتفه، ودعاه للبدء بالعمل.