ليس بالضرورة أن تكون كل قامَة، تاريخية كانت أم آنية، لديها قِيمة. وليس شرطاً أيضاً ارتباط تلك القامات –وحتى ولو بسبب الشهرة فقط- بالقِيمَة، وأن تستند على أرض صخرية ثابتة، وغير قابلة للتزحزح.
ومن هذا المُنطلَق، سوف أضرب مثالاً في شخصيات معروفة عالمياً، ولكم أن تقرّروا القِيمَة من القَامَة، وسوف آخذ هنا: تشي جيفارا، وجورج بوش الابن، كمثالين جليّين من الأمثلة الكثيرة التي يزخر بها تاريخ البشريّة.
أقترح بأن أكثريتنا سمعنا، وربما شاهدنا، أو قرأنا عن رجل اسمه “جيفارا”، وقد أطلقوا عليه لقب “تشي” أي الرفيق. هذا الطبيب الذي ترك بلاده الأرجنتين، ليلحق حلمه في تحرير الشعوب المُضطهَدة، وطبعاً نحن هنا لسنا بصدد تقييم مرجعيته الأيديولوجية، أو انتمائه الحزبي، بل سوف نلتفت لمستواه الأخلاقي. حيث ناضل في كوبا وغيرها من البلدان، والتقى بأهم الزعماء العالميين الذين يتقاطعون مع رؤيته في ذلك الوقت، أي بالقِيمَة حسب نظرتهم لها. وحاز مناصب مهمة في كوبا، لكنه ترك رفيق نضاله: كاسترو، والتفت إلى مشروعه النضالي كدربٍ شائك اختاره ووقف عنده؛ حتى غدا منارة للنضال والحرية على مستوى العالم الرازح تحت ثقل الظلم والفقر والقهر، إلى أن تمت الوشاية به، ومن ثم اعتقاله وقتله من قبل القوات الأمريكية في أكتوبر عام 1967 في بوليفيا، فكانت تلك القِيمَة التي امتلكها بجهدٍ كبير، ومن ثم دفع ثمنها حياته، كانت أكثر رِفعة من أكثرية تلك القامات البالونية والبهلوانية.
وبالمقابل، ليس بالضرورة أن يكون النضال مُختصراً على المقاومة المُسَلّحة، أحياناً يكون في موقفٍ واحد، حالة لا يمكن أن تُكَرّر. وهنا نستطيع القول بأن حذاء (مُنتظر الزيدي) الذي ضَرَب به بوش الابن في 14 كانون الثاني عام 2008، وكان قد استطاع بوش تحييد نفسه بمهارة عن الحذاء، لكنه لم يستطع تحييد عَلَم الولايات المتحدة الأمريكية الذي لطخه حذاء المنتظر، هذا الصحفي الذي أطلق حذاءه كقذيفة غاضبة تحمل كل الوجع والغضب والقهر العراقي، كان اختزالاً صارخاً لكل تلك الحالات التي اجتاحت العراق منذ عام 2003 من أقصاه لأقصاه، هذا الحذاء الذي عبّر بقوة عن رفض الوجود الأمريكي في العراق؛ وبالتالي، ألم يكن صاحب هذا الحذاء، أكثر قيِمَة مِن قَامَة مَن غزا العراق، ودمره بحجة نشر الديمقراطية؟.
وهنا نرى في بعض الأشخاص، وبمُعزل عن قاماتهم الفارعة التي كبرت واستطالت دون نيّة منهم، نرى فيهم قِيَماً إنسانية عصيّة على الانهيار، نجوماً خالدة: غاندي، نيلسون مانديلا، سعد زغلول، سلطان الأطرش، عمر المختار، عبد القادر الجزائري، عبد الكريم الخطابي…. وغيرهم الكثير ممن امتلكوا قِيَمهم، واستمرَّت حتى إلى ما بعد فناء أجسادهم، لماذا؟، لأن هؤلاء ترفّعوا على كل المناصب الأرضية، اختاروا طريقاً شائكاً نبيلاً، ليرتقوا خالدين في السماء، مع قِيمتهم التي رفدت قاماتهم رفعةً وسموّاً.