موفق مسعود يكتب: ضرس العقل

مشكلة أسناني بدأت بعد إحدى دورات إنتخابات مجلس الشعب، حيث بدأت هذه المشكلة مع قبولي في إحدى الوظائف الرسمية، أتذكر ذلك المساء ، حيث احتفلنا معاً، وكان بيننا / نحن دفعة الموظفون الجدد في المؤسسة / موظف طموح كثير الكلام، يلقي علينا مطولاته التحليلية كل صباح، كان الجميع يتجنبونه ليس لضجرهم من مطولاته فحسب بل لأن لديه عادة سيئة جداً .. فقد تعود أن يقاسمنا صندويشات الزعتر واللبنة التي كانت أمهاتنا تزودنا بها من أجل وجبة الغداء في العمل.
كان جشعاً ووقحاً .. واستسلمنا لحقيقة أنه شريكنا بطعام أمهاتنا، وبعد فترة فوجئنا بترشحه لعضوية المجلس التشريعي وامتلأت الشوارع بصوره وشعاراته التي أثقلت صباحاتنا لزمن طويل ..
تنفسنا الصعداء ودعونا له بالنجاح .. وظننا أن طعام أمهاتنا العزيز على قلوبنا وأمعائنا قد تحرر من أنياب زميلنا الطموح .
دعونا له بالنجاح، وحدث ذلك سبحان ألله القدير .. ، أما ما شأن ذلك بأضراسي فسأقول لكم، حتى ذلك الحين كنا نتناول زواداتنا بمتعة في غياب زميلنا الذي أصبح مسؤولاً عن الشعب، لكن ارتفاع الأسعار قلصّ حجم الزيت والزعتر، ولم يعد الزيت البلدي ممكن الشراء، فأصبحت أمهاتنا تلفه مع الزيت المهدرج، وأحياناً مع الماء أو زيت القلي، حتى أن طعام أمهاتنا البائس كان ينقطع أحياناً رغم أنه لم يعد يحمل روائح البيت، بل روائح السوق القذر الذي نمر به كل صباح كالغرباء ..
بعد ذلك زارنا زميلنا الطموح بسيارته الفارهة ذات يوم، دخل مفاجئاً كما كان يفعل في الأيام الخوالي في أول ساعة الغداء، كان مشتاقاً لنكهة طعام أمهاتنا .. أكل زواداتنا بشراهة وهو يبربر ثم غادر ..!
شعرت بقهر غريب ، وبدأ فكي السفلي بالتشنج ، لم تنفع محاولات الأطباء في فتح فكيّ عن بعضيهما .. وأعطاني أحدهم علاجاً طويلاً .. ولكن دون جدوى .
ساءت حالتي وبدأت أسناني بالتساقط نتيجة ضغط الفكين، حتى اكتشف أطباء الأسنان سبب التشنج .. قالوا أنه بسبب التهاب ضرس العقل وتخريبه لأنسجة الفك، وكان عليهم إجراء عملية جراحية بالتخدير الكامل لنزعه وتنظيف الإلتهاب، لكنني رفضت .
إنه ضرس العقل، وأشعر أنني حين أخلعه سأصبح مسخرة كل من حولي، فالرجال الحقيقيون لا ينزعون ضرس العقل ..
إنه ضرس البلوغ، إنه ركن الفك كما العقل ركن الجسد، لكنه مريض ويحيطه العفن ..!
لكنني كنت أردد في نفسي / سيشفى .. سيشفى ../
وهل غير العقل من يستطيع شفاء ضرس العقل ؟!
لقد خذلني عقلي، وتساقطت أسناني واحداً تلو الآخر كحجارة سورٍ عتيق ..
الأن صرت أستطيع فتح فمي أمام المرآة ليبدو فكي من الداخل مثل صحراء لزجة .. وهناك في العمق آخر الفك السفلي … يرتفع ضرس العقل كقلعة عتيقة مهدمة أكلتها أشنيات متوذمة بالدم وحول القلعة شواهد ناتئة بلا أسماء لآلاف الجثث.

شارك

Share on facebook