أسامة هنيدي يكتب: مهمة غير مستحيلة

لعل المهمة كانت تبدو مستحيلة للوهلة الأولى ضمن سلسلة الفيلم الأمريكي الشهير (مهمة مستحيلة) من بطولة الممثل الأمريكي الشهير توم كروز لكن العمل الذي بذله البطل في التفكير خارج صندوق المهمة الشهير ربما ساعده على جعل تلك المهمة ممكنة وربما ساعدت أرباح ذاك العمل السينمائي في دفع عملية إنتاجه للوصول إلى ستة أجزاء من التشويق والربح.
آثرت افتتاح مقالي هذا بالحديث عن الفكرة التي يمكن أن تكون أكثر ربحية من غيرها والتي يمكن أن تؤسس وهي ربحية هنا ليس بالمعنى المالي بل بالمعنى المجتمعي أقول أن تؤسس لحالة استقرار مجتمعي من ثم سياسي خاصة في المجتمعات المصابة صميميا بتبعات الحرب.
ربما يكون مصطلح الرمال المتحركة هو التعبير الأمثل لوصف وضعية الأرض التي يقف عليها معظم السوريين اليوم، تلك الأرض التي لم تكن صلبة كما يجب بفعل غياب الدولة الوطنية العادلة المنصفة للسوريين والقادرة على حمل إبداعات السوريين وتجسيدها في صلب دولة مدنية ديمقراطية.
نعم إن كل السوريين اليوم يسيرون على رمال متحركة لا يعلم على وجه الدقة من سينجو منها ومن سيبتلع ضمن من ابتلعوا لأسباب مختلفة.
ويكاد الباحث عن مخارج محتملة لأي طرف من الأطراف السورية المشتتة يقع في حيرة لناحية التحليل والمآلات لسبب بسيط وهو أن المسألة لم تعد بين يدي هذا الطرف ليناور فيها بل إن أطرافا كثيرة اليوم لم تعد تظهر على السطح لأن ليس لديها جديدا تقوله في أي شأن.
وربما تكون المهمة الأصعب على من يحاول العمل في الشأن السوري اليوم هو إيجاد ما يسمى بالأرضية المشتركة التي يمكن للسوريين أن يبنوا عليها مشروعهم الوطني الذي يشكل بديلا عن الجميع نظاما ومعارضة وذلك مما يمكن تبريره بسهولة إذ ما تزال أمام النظام جملة من الاستحقاقات التي لا يمكن له النجاح فيها على المدى القريب أقلها حال المواطن السوري المنتظر على طوابير الحياة والرمق مرورا بوضعية الشرعية التي لم يحرز فيها أي تقدم رغم الانتخابات الأخيرة وفي المقابل تعيش المعارضة السورية بهيكليتها القائمة أسوء لحظاتها ولعل صمتها يفصح عن ذلك إذ أنها لا تفعل شيئا إلا الانتظار ويكاد حضورها السياسي منسجما مع أدائها الركيك لابل إنها ترتكب أخطاء قاتلة تتعلق بوضع البيض كله مثلا في الشمال السوري في سلة أحد حثالات الثورة السورية مثل أبو عمشة وشركاه من ناهبي الثورة السورية ومحرفيها عن مسارها الديمقراطي، ناهيك طبعا عن غياب أي جهد سياسي مجدي يمكن أن يساهم بالحد الأدنى في التخفيف من فاجعة السوريين.
السوريون اليوم لديهم سيناريو أول يتعلق بانتظار الطرفين نظاما ومعارضة لعبة الأمم عبر اللقاء الذي سيجمع الجانبين الروسي والأمريكي منتصف هذا الشهر في جنيف وما سينتج عنه من تفاهمات من بينها القضية السورية ولعلها ليست المركز في النقاش لكن تشابك الملفات بين روسيا والولايات المتحدة وتباين وجهات نظرهما والأهم مصلحة بلديهما ونزوعهما الجيوبوليتيكي في العالم ومناطق النفوذ والثروة.
أما السيناريو الثاني فهو تلك الجهود التي يبنيها مجموعة من الأشخاص في الداخل والخارج للانتصار للعدالة السورية من جهة ولمحاولة الاسهام في رأب الصدع المجتمعي وبناء شكل من أشكال التوافقات بين السوريين من جهة ثانية فتلك جهود يراها الكثيرون أكثر جدوى ومنها بعض المنظمات المدنية التي تعمل في الداخل السوري والتي يمكن إذا كان جهدها مبنيا على رؤية استراتيجية ومخططا له بحيث لا يكون جهدا طيارا ومناسباتيا محكوما بأجندة أي تمويل خارجي ، أقول يمكن أن تكون له مفاعيل إيجابية على المدى البعيد وليس القريب أو المتوسط.
فإذا تم تبني سياسات يخطط لها ويقودها السوريون في الداخل للتخفيف من حدة الانقسام الذي حصل بين السوريين في السنوات العشرة الأخيرة وفق سياسة البحث عن جذور العنف ومعالجتها وليس البحث العقيم عن سبب النزاع لأن من سيقوم بهذا العمل ربما لديه تصورا واضحا عن كل ذلك المسار ويمكن لإثارته في الفترة الحالية أن يجلب مزيدا من الخراب والدمار بحكم أن الانقسام ما زال قائما بل وحادا في كثير من المناطق.
وبناء على ذلك فإن مهمة التحضير لأرضية مشتركة بين السوريين ربما تبدأ وفق دوائر ضيقة في المرحلة الحالية يعمل فيها على جمع أكبر قدر ممكن من التوجهات على قاعدة الحوار وقبول الاختلاف لبناء ما يمكن تسميته ببناء الثقة بين مختلف أطياف الفاعلين المجتمعيين ليتم بعدها قد آليات تأثير تطال الشريحة الأكبر ممن يقعون في براثن هذا وذاك لناحية الاستقطاب.
ولا يمكن للعاملين أو الفاعلين في هذا الشأن أن يتوقعوا نتائج مباشرة لعملهم إلا أن هذا العمل وتلك المرحلة من بناء الثقة سيكون لها أثرا كبيرا في أي عملية تغيير إن حصلت إذ ستكون هذه المرحلة قد حرقت وتلافينا معها تأخيرا له عقابيله السلبية في مستقبل إنساننا وبلادنا وربما يكون مدخلا لحقن مزيد من الدماء المهرقة على مذبح الوطنية الحقيقية.

شارك

Share on facebook