المحور الذي جاءت مناقشتي في سياقه هو التساؤلات بين الهوية الوطنية والانتماءات ما قبل الدولة: الإخوان الذين سبقوني ربطوا موضوع الهوية بالدولة، هناك من يتحدث أن هوية ما قبل الدولة هي هوية غير مقبولة وهي هوية سيئة، بمعنى وكأن الدولة هي التي تنشئ الهوية والهويات التي سبقتها مرفوضة.
ولأن هذه الندوة في محافظة السويداء، سأحاول أن أقدم مقاربة وهي أن مركز اعتزاز كل أبناء المحافظة وكل دروز العالم هو الثورة السورية، وأن السبب المباشر لقيام هذه الثورة هو حماية الدخيل أدهم خنجر، وهذه قيمة موروثة _وطبعا أطرح للنقد_ إذا تعمقنا في الموضوع من مئات وآلاف السنين للأقوام العشائرية التي سكنت في محيطنا، سواء في شبه الجزيرة العربية او في المحيط المجاور.
الآن هل الهوية التي نبحث عنها أو نتصارع عليها هي ذاتها التي جاءت بالسياق التاريخي ولما عمل عليه أجدادنا؟ هذه الفكرة تحتاج بنا للعودة إلى التاريخ، وهذه العودة تقول إن القبائل العربية مردها حسب ما جاء في نظرية الاستشراف ان العرب إما غساسنة أو مناذرة، لماذا هذا التصنيف؟ لأن الروم والفرس اعتبروا أن الأقوام الموجودة في شبه الجزيرة العربية هي أقوام خطيرة لأنها تمشي على نسق قيمي، وهذا النسق القيمي متشابه جدا ومتناقض في نفس الوقت، فكرة التشابه فيه أن كل القبائل العربية تتمتع بالكرم، بالشجاعة، بإغاثة الملهوف، بالدفاع عن العرض، وفي ذات الوقت هي تستخدم هذه الموروثات ضد بعضها البعض، أي أنها لا يمكن أن تجتمع مجتمعة على قيمة الكرم أو الدفاع عن العرض.
حصل التجمع تاريخيا عندما أساء كسرى إلى واحدة من المنظومات القيمية وهي كما تعلمون قصة واردة في كتاب مروج الذهب للمسعودي وهي حماية بنات النعمان، وهي أن كسرى أراد أن يخضع العرض العربي إلى المساومة، وكانت القبائل العربية كما هو معروف لا تؤجر عرضها، فجرت المعركة وانتصر القلة على الكثرة.
إن الهوية العربية هي هوية قيمية، الآن في الحديث: هل الهوية القيمية التي كانت قبل الدولة غير مقبول الدفاع عنها وغي مقبول أن نتمسك بها لنعبر إلى العالم الفاضل؟ الآن إذا قلنا في التصنيف الأكاديمي وفي سياق العشر سنوات التي مرت بها سورية، هذا السياق يذهب في اتجاه أن الهوية الوطنية بمكوناتها الطائفية والقومية والسياسية هي بحاجة لإعادة كتابة، الكتابة هل هي تعطى لبرلمان؟ هل تعطى لكتابة الدستور؟ هل تعطى للناس؟ الهوية يجب أن تنبثق من الناس، الهوية لا يمكن أن تسلم لا لمؤتمر خارج البلاد ولا لمؤتمر داخل البلاد، بل نحن الذين نعبر عنها.
في داخل العمل التاريخي في العقد المنصرم تعرضت الهوية الوطنية التي بنيت بعد نهاية الاستعمار الفرنسي وبعد 400 سنة من الاحتلال العثماني، تعرضت للتشكيك. نحن مدعوون حسب تقديري ووفق رأيي لإعادة صياغة الأشياء كما يجب أن تصاغ، مستندين إلى ما أفرزته الأزمة من مجموعة من الحوامل التي تحمل الهوية، والظاهرة الإرهابية وهذا التكالب من معسكرات العالم لإيقاع هذه الهوية في براثن الإرهاب.
أنا عندما تواصل معي الشباب قلت لهم: هل يمكن للهوية الوطنية أن تتطابق مع شيء غير وطني؟ مع شيء دعونا نقول موجود في أوروبا؟ ما يجري الآن هو أننا نعيش القيم العربية ونطبق القيم الأجنبية، وكل الآخرين الذين يدعوننا إلى منابرهم يريدون منا أخذ الفكرة القيمية من هويتنا، بالمحصلة هم يريدون نسف القاعدة التي بنيت عليها الهوية.
العرب إن أرادوا أن يدخلوا مرة أخرى إلى مسرح التاريخ بدون أن تكون هويتهم خاصة، لا يجوز أن ندخل التاريخ من فكرة البرلمان والدولة، علينا وكأننا نعيد البوصلة إلى الصفر لكي نكتب هوية جديدة، ولكن المقومات كلها لدينا وليس صفرا تعبويا كما أرادوا هم أن يكون.
هناك الكثير من الأسئلة الدقيقة تحتاج إلى إعادة صياغة، وأعتقد أن هويات ما قبل الدولة هي هويات صالحة ويبنى عليها، والهويات الراهنة هي هويات بحاجة إلى إعادة كتابة، والهويات الوافدة هي هويات بحاجة إلى إعادة تقييم، كل هذا المنظور برأيي هو بحاجة إلى أكثر من جلسة حوار واحدة ويشترك فيها الجميع هنا وهناك وفي كل مكان، شكرا لكم جميعا.