مداخلة الأستاذ أسامة أبو ديكار

في البدء علينا التشخيص بدقة، والحديث بصراحة، عن أسباب فشل قيام دولة وطنية جامعة لكل السوريين، وعدم إنجاز أو وجود هوية وطنية جامعة في سوريا.

وعندما ننتقد مرحلة ما، فهذا ليس من أجل النقد فقط، بل للاستفادة من الخلل السابق وتجاوزه لاحقاً..

 مائة عام والبحث جارٍ عن الهوية السورية، فما قبل سايكس بيكو ليس كما بعده، ولن أتحدث الآن عن مرحلة ما قبل سايكس بيكو..

أما بعد سايكس بيكو، تأسست الدولة السورية بحدودها الجغرافية الحالية والمُعترف بها دولياً، ولم تستطع خلال مائة عام من تشكيل هوية وطنية جامعة لكل السوريين القاطنين على أراضيها، وبجغرافيتها الحالية.

فالاستعمار الفرنسي أسس لِما يسمى خمسة دويلاتٍ تقوم على الأرض السورية كي تبحث كل دويلة عن هويتها الطائفية، وتم إفشال التقسيم حينها بوعي السوريين.

وبعد خروج الفرنسيين باستقلال ظاهري، حاول السوريون تأسيس الدولة الوطنية ولكن عانت سوريا من انقلابات عسكرية أجهضت كل المحاولات لبناء دولة سورية وطنية.

ثم جاء حزب البعث، وأجّل البحث عن الهوية السورية لانجاز الهوية العربية عبر شعاره الذي لم يتحقق ” أمة عربية واحدة”، فلا وصل للأمة العربية الواحدة، ولم يبني دولة وطنية سورية جامعة حتى تاريخ اليوم.

وكذلك الأحزاب التي نشأت في القرن الماضي من أممية كالحزب الشيوعي الذي لم يعترف بالهوية المحلية لحساب الهوية الأممية التي لم تتحقق، كما هو حال الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يعتبر سوريا هي سورية الطبيعية ولا يعترف بالحدود الحالية.

وأيضا الأحزاب الدينية لا تعترف بالهوية الوطنية وتعتبر نفسها عابرة للحدود لاعادة أمجاد الخلافة الاسلامية.

ولا زال البحث جارٍ عن هوية وطنية سورية تجمع كل السوريين، لذلك وصلنا الى الوضع الحالي بهوية مُخردقة ومشرذمة عادت بنا الى ما قبل التاريخ وأصبح البعض يبحث عن هويته العشائرية أو المذهبية أو العرقية أو الدينية..

فالهوية اليوم بالنسبة للمواطن السورية هي عبارة عن قطعة بلاستيك، مدَوّن عليها اسمه ورقمة الوطني ورقم خانته.. ولذلك نجده عندما يهاجر الى الخارج يتمسك بالهوية الجديدة الممنوحة له في ذلك الاغتراب الطوعي أحياناً والقسري في الأحيان الأخرى.. كون هويته السورية لم تستطع حمايته مع أسرته داخل وطنه، أي خرج باحثاً عن حياته وحمايته ومستقبله..

ويتساءل البعض عن أسباب إقامة لقاءات ومؤتمرات طائفية هنا أو هناك.. وأضيف على تساؤلهم تساؤلاً:

من الذي أوصل الناس للتفكير والبحث عن هذه الهويات الطائفية الضيقة؟

أليس من الصحيح أن نعترف بوجود هويات ضيقة ولنقل عنها هويات طائفية للدلالة على الفرد، ثم الانطلاق منها لهوية جامعة تحمي الجميع مع اعتراف كل الناس ببعضهم البعض..

وأليس هذا الاختلاف الطائفي هو حالة واقعية وعلى الجميع الاعتراف بهذا الاختلاف؟

ولنبحث عن عقد اجتماعي يصون الجميع ويضمن لهم حقوقهم وواجباتهم، ثم الوصول لدولة المواطنة التي يسودها القانون وجميع الناس متساوون امامه..

لذلك أقترح وجود عدة قوانين ومبادئ فوق دستورية، لا يمكن المساس بها او تغييرها او حتى تعديلها لأسباب سياسية على هوى ورغبة كتلة سياسية قد تأتي للسلطة في يوم من الايام وتقوم بتغيير الدستور.

شارك

Share on facebook