كنيسة العذراء مريم الآشورية، التي سبق أن دمرها تنظيم الدولة الإسلامية عام 2015، في قرية تل نصري، جنوب بلدة تل تمر، محافظة الحسكة، سوريا، 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2019. دليل سليمان AFP

كنيسة العذراء مريم الآشورية، التي سبق أن دمرها تنظيم الدولة الإسلامية عام 2015، في قرية تل نصري، جنوب بلدة تل تمر، محافظة الحسكة، سوريا، 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2019. دليل سليمان AFP

ممتلكات العائلة الآشورية في سوريا مهددة بالمصادرة غير القانونية

أصبح الاستيلاء على ممتلكات النازحين السوريين عملاً ممنهجاً لبعض الجماعات المؤثرة المدعومة من سلطات الأمر الواقع في شمال شرق سوريا، خاصة مع انتشار الفساد داخل النظام القضائي لكل طرف من أطراف النزاع السوري، حيث فقد الكثير من الآشوريين السريان الذين ينحدرون من منطقة الجزيرة السورية والذين يعيشون حالياً خارج سوريا، ممتلكاتهم وأراضيهم الزراعية مؤخراً بسبب السرقة. وتقوم العصابات المنظمة بنهب الأراضي إما عن طريق تزوير وثائق الملكية أو ترويع أصحاب الممتلكات وإجبارهم على البيع بأسعار منخفضة.
 
كشفت المنظمة الديمقراطية الآشورية، أكبر وأقدم حزب مسيحي آشوري في سوريا تأسس عام 1957، مؤخراً عن انتهاكات ضد الممتلكات الآشورية السريانية في مدن ومناطق منطقة الجزيرة السورية من قبل السلطة وأشخاص نافذين في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، خاصة في القامشلي والمالكية وتل تمر والحسكة، عن طريق تزوير وثائق وتواقيع أصحابها الأصليين.
 
وفي بيان نشرته على صفحتها على فيسبوك بتاريخ 13 تموز/يوليو، قالت المنظمة أنه “في الآونة الأخيرة، تم بالإجبار بيع عقار يقع في المربع الأمني الخاضع لسيطرة النظام على الجانب الغربي من كنيسة مار يعقوب النسيبيني [في القامشلي]، التي يملكها السيد إسحاق أفرام وأبناؤه”.
 
وأفادت عائلة إسحاق أفرام، وهي عائلة مهاجرة مسيحية سريانية، في 7 يوليو/تموز، بأن ملكيتها باهظة الثمن في مدينة القامشلي في محافظة الحسكة في شمال شرق سوريا قد تم الاستيلاء عليها بشكل غير قانوني.
 
وقالت العائلة في بيان مخاطبة الجمهور والإدارة الذاتية: “عقارنا الواقعة في شارع الرئيس، زاوية شارع أبي تمام، لم يتم بيعه لفؤاد جميل محمد حصاري، الملقب أبو دالو. لقد تم رفع دعوى قضائية أمام محاكم الإدارة الذاتية ضد أبو دالو بتهمة اغتصاب العقارات والتهديد والتعدي على ممتلكات الغير”.
أبو دالو هو رجل أعمال معروف مقيم في القامشلي وله نفوذ في السلطة والمؤسسات القضائية التابعة لها، وكذلك ضمن ميليشيا قسد.
 
ووفقا ل ADO، من بين حوالي 22,000 من الآشوريين السريان الذين كانوا يعيشون في 34 قرية في منطقة الجزيرة السورية، هاجر أكثر من 20,000 في موجتين من موجات الهجرة – أكبرها كان بعد غزو تنظيم داعش للمنطقة في أوائل عام 2015، مما شكل تهديداً خطيراً لبقائهم. وكانت موجة الهجرة الأخرى بعد جفاف نهر الخابور، الذي يعيش الآشوريون السريان بمحاذاته، واضطرار الأشخاص الذين يعتمدون بشكل كبير على الزراعة إلى المغادرة. واليوم، لم يبق هناك أكثر من 800 شخص في قرى حوض الخابور، مما يفسح المجال أمام اللصوص للاستيلاء على الممتلكات.
 
وقال رئيس مكتب العلاقات العامة في المنظمة غابرييل موشيه كورية ل”المونيتور” إنه بسبب الفوضى والخروج على القانون، تصاعدت مؤخراً عمليات الاستيلاء على الممتلكات والعقارات المملوكة للآشوريين والمسيحيين بشكل عام في مناطق الجزيرة السورية، خاصة تلك التي تعود للمهاجرين والمغتربين.
 
وقال: “لدينا معلومات تفيد بأن من يقفون وراء مثل هذه الأعمال هم شخصيات مؤثرة مرتبطة بالسلطة ومستفيدة من حالة الفساد المتفشية، وتستخدم القضاء للاستيلاء على هذه الممتلكات وتكديس ثروات ضخمة من خلال عمليات البيع بناء على وثائق وبيانات مزورة”.
 
ويضيف كورية: “مثل هذه الحالات موجودة في العديد من المناطق السورية ولا تقتصر على الجزيرة وحدها. لكن بالنسبة للسريان الآشوريين، فإن فقدان ممتلكاتهم يكفي لقطع كل الروابط التي تربط المغتربين بوطنهم، وهذا يثير مخاوف من سياسة التغيير الديموغرافي المتبعة من قبل أشخاص مؤثرين مرتبطين بالسلطة والإدارة الذاتية، الأمر الذي يكرس قانون الغاب”.
 
ويقول: “بالإضافة إلى العقارات، تم خلال السنوات الماضية الاستيلاء على الأراضي الزراعية التي يملكها الآشوريون في ديريك والخابور وتل تمر وغيرها من المناطق. وقال كورية إنه تم منع أصحابها أو وكلائها من الحق في التصرف فيها أو زراعتها، وفي حالات أخرى اضطر أصحابها إلى بيعها بأسعار منخفضة بعد تعرضهم للابتزاز”.
 
وأشار كورية إلى أن المنظمة تعمل مع الأحزاب الآشورية السريانية الأخرى وبعض اللجان المتخصصة في هذا المجال، لإجراء تعداد وتوثيق للممتلكات والعقارات والأراضي المسروقة أو تلك التي تم انتهاكها في حوض الخابور وتل تمر ومناطق أخرى، مضيفا أنه لا توجد جهة رسمية معنية بعمليات التوثيق والإحصاء لأن هذه الانتهاكات تعتبر حوادث فردية ولا تحمل طابعاً سياسياً.
 
وأشار كورية إلى أن منظمته كلفت عدداً من المحامين بالبدء في توثيق الممتلكات المسروقة وتحديد الشكاوى المقدمة من أصحاب الأراضي، في محاولة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لاسترداد الممتلكات بعيداً عن وسائل الإعلام، لتجنب أي رد فعل عنيف من جانب الشخصيات المؤثرة قد يكلف الآشوريين فقدان المزيد من الحقوق.
 
وأضاف أن الفساد داخل القضاء ومحاكم السلطة، بالإضافة إلى عدم اعتراف الأخيرة بمحاكم الإدارة الذاتية، يبطئ جهود العمل. حيث قال: “يمكن لمحاكمنا معالجة مثل هذه القضايا بشكل أسرع، لكن جميع السجلات العقارية لا تزال في عهدة إدارات النظام”.
 
وأوضح كورية أن هذه الممارسات تعد انتهاكا صارخاً لحق الإنسان الأساسي في التملك، خاصة وأن هذه الممتلكات تعود للنازحين والمهاجرين الذين غادروا البلاد بحثاً عن الأمان وهرباً من وطأة الحرب.
 
في الوقت نفسه، يتم افتتاح مكاتب جديدة متخصصة في تزوير الوثائق في الجزيرة. وهي تستهدف في الغالب العقارات والممتلكات الخاصة بالمغتربين، عن طريق تزوير البطاقات الشخصية والأختام والتواقيع وتسجيلها باسم المشتري الجديد. وتنظم هذه المكاتب أيضاً عقود بيع مزورة بتوقيع المالك الأصلي، وبمساعدة شهود متواطئين مع المشتري، ثم تؤكد عمليات البيع والشراء في السجلات المدنية، التي يتواطأ معها موظفو السجلات أيضاً.
 
وعادة ما يستهدف المزورون العقارات والممتلكات ذات القيمة العالية والمواقع الجيدة في وسط مدن الجزيرة.
 
ناشط سرياني من القامشلي صرح ل”المونيتور” رافضاً الكشف عن هويته: “إن أهم المواقع التي يركز عليها المزورون هي في مراكز المدن مثل القامشلي في شارع جسرين والعقارات في وسط المالكية والحسكة والقحطانية، إضافة إلى الأراضي الزراعية في حوض الخابور التي نهبها الفاسدون. وفي الوقت نفسه، تغض السلطة والإدارة الذاتية الطرف عن هذه الإجراءات لأن هؤلاء الأشخاص [الذين يقفون وراء عمليات التزوير] لديهم علاقات قوية داخل أجهزة السلطة”.
 
وقال المصدر إنه لا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد الممتلكات المسروقة والعقارات والأراضي، مشيراً إلى أنه من المؤكد أن العشرات قد تم الاستيلاء عليها بشكل غير قانوني، بقيمة تقدر بما يتراوح بين 10 ملايين دولار و15 مليون دولار.
 
وأضاف: “بعض الآشوريين لديهم علاقات وثيقة مع أشخاص ذوي نفوذ في السلطة والإدارة الذاتية، والتي يستغلونها لاستعادة ملكية أراضيهم. لكن العائلات التي تفتقر إلى مثل هذه العلاقات تلجأ إلى المحاكم وترفع قضايا تزوير، على الرغم من معرفتهم أنها قد تكون بلا جدوى، لأن مثل هذه القضايا تستغرق الكثير من الوقت وستتدخل شخصيات مؤثرة لوقفها”.
 
وتنص المادة 15 من الدستور السوري لعام 2012 على ما يلي: “الملكية الخاصة من جماعية وفردية، مصانة وفق الأسس التالية: 1. المصادرة العامة في الأموال ممنوعة؛ 2. لا تنزع الملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة بمرسوم ومقابل تعويض عادل وفقا للقانون. 3. لا تفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي مبرم؛ 4. تجوز المصادرة الخاصة لضرورات الحرب والكوارث العامة بقانون لقاء تعويض عادل؛ 5. يجب أن يكون التعويض معادلا للقيمة الحقيقية للملكية”.
 
وقال المحامي ورئيس جمعية المحامين السوريين الأحرار التي تتخذ من تركيا مقراَ لها، غزوان قرنفل ل”المونيتور” إنه لا يوجد مبرر لانتهاك القانون من جانب أي فرد أو حزب أو سلطة، سواء كانت تمتلك الشرعية أو تفترض أنها تمتلكها أو كانت سلطة أمر واقع.
 
وقال قرنفل أن أياً من أطراف النزاع السوري العديدة لم يحترم القانون في المقام الأول، سواء كان قانون حماية ممتلكات الغائبين أو غيره من القوانين. وأضاف: “جميع السلطات الحاكمة في مختلف المناطق السورية تحمي شخصياتها المؤثرة وتعتقد أنهم فوق أي قانون ولا يجوز محاسبتهم”.
 
ووفقا للقانون السوري، يعتبر تزوير الأوراق الرسمية جناية يعاقب عليها القانون بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات مع الأشغال الشاقة. وتعرف المادة 443 من قانون العقوبات السوري التزوير بأنه “تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات التي يراد إثباتها بصك أو مخطوط يحتج بهما يمكن أن ينجم عنه ضرر مادي أو معنوي أو اجتماعي.”.
 
وقال قرنفل أن المجرمين يجدون من الأسهل نهب الممتلكات الآشورية لأنهم يعتبرون الآشوريين أقلية ضعيفة وغالبيتهم فروا من البلاد.
 
واختتم قائلا: “نحن بحاجة إلى إجراءات صارمة للتحقق من صحة وثائق الملكية أو البطاقات الشخصية أو الوكلاء في عمليات البيع والشراء، بالإضافة إلى تشديد العقوبات على مرتكبي مثل هذه الجرائم”.
 
 
المصدر: Al-Monotor

شارك

Share on facebook