أسامة هنيدي يكتب: نرسيس السوري

تروي الأسطورة اليونانية القديمة أن نرسيسوس كان يتميز بمظهر جميل وقد شاهد أثناء تجواله في الريف صورته المنعكسة في بحيرة هادئة ووقع بجنون في حب نفسه متمثلة في صورته وملئ باليأس لأنه لم يستطع الوصول إلى المحبوب فقتل نفسه ومن نقاط الدم القليلة التي سالت على الأرض بجوار الماء نمت زهرة عرفت الى اليوم بزهرة النرجس.
وأصبح مصطلح النرجسية في الدراسات النفسية متداولا وبشدة بعد مقال فرويد “مقدمة في النرجسية” عام 1914 والتي صنفها وفق مستويين إما كطور من أطوار التكوين النفسي أو كانحراف من انحرافات الشخصية.
وتحضر النرجسية بقوة في كثير من الأنماط السلوكية اجتماعيا وسياسيا وهذا ما يهمنا في هذا المقال إذ كيف يمكن لمن يدافع عن حقوق الآخرين وعن قضاياهم العادلة أن يرتفع لديه منسوب الأنا المنتفخة إلى حد يفقد معه القدرة على التواصل والتأثير في جمهوره الاجتماعي والسياسي بل وحتى في لغته التي باتت متعالية بحكم مرض تلك الأنا.
المدقق اليوم في أداء كثير من سلوكيات وشخصيات المعارضة السورية يجد منسوبا نرجسيا هائلا لديها ووفق عدة مستويات:
نرجسية التاريخ: يحضر هذا النموذج عند بعض الأحزاب السياسية التي خاضت نضالات غير منكورة ضد أنظمة الحكم الاستبدادية عبر عقود ويتمثل بأناها التي انتفخت بموجب تلك المقارعة وأصبحت تتحدث عن شرعيتها الوحيدة والحصرية في كونها بديلا صالحا سيما أنها تغرف من معين إما عمره 1400 عام كالحالة الإخوانية وإما من انتصارات الثورة البلشفية منذ أكثر من مئة عام واستشهاداتهم الأثيرة تتمحور حول أفكار ماركس وانجلز اللذان يتحولان الى مرجعية تصلح لكل زمان ومكان.
نرجسية “المناضل”: كم سمعنا وعبر السنوات العشر الأخيرة الدموية في حياتنا كسوريين عبارة هذا من الأشخاص الذين اعتقلوا ودفعوا ثمنا باهضا، لتتحول هذه العبارة عند البعض طبعا ولا يجوز التعميم أبدا في هذه الحالة أقول للتحول هذه العبارة الى جواز مرور لكثير من الأشخاص لممارسة غبائهم وركاكة أدائهم التمثيلي في أجسام المعارضة بل والإرتزاق لدى بعضهم ، على حساب من سجن من أجلهم وهذه ” الشرعية” التي اكتسبها البعض والتي ساهمت في تصغير جهد الناس والابتعاد عنهم من جهة ومن تحويل بعضهم الى موزع شهادات في الوطنية من جهة ثانية.
نرجسية اليقين: من أخطر أنواع النرجسية هي تلك التي يدعي صاحبها امتلاك الحقيقة المطلقة والخبر اليقين فكم من جهبذ طالعنا عبر الفترة الماضية بسيناريوهات لا يستطيع حبكها إلا ورشة هوليوودية خبيرة كاملة وكأن ترامب وبوتين يجلسان معه صبح مساء ليسألونه رأيه في الأوضاع ويأخذون منه إحاطة وربما موافقة على ما سيفعلان في بلده.
نرجسية القيادة: هذا النوع من النرجسية له إرهاصاته المبررة لجهة القمع التي عاناها السوريون منذ عقود وربما كانت لها مقدمات في الطبيعة البشرية حين تتحدث مدارس علم النفس عن دافع السيطرة والتملك والقيادة، لكن أن يكون لديك عدد من ” القادة” في جسم سياسي يفترض أن يكون جامعا لقضية عادلة كالقضية السورية لا ساحة للتنافس على زعامة هذا الجسم فذلك مما يعد انحرافا أخلاقيا وسلوكيا ووطنيا وهذا ما حصل في كثير من الأجسام السياسية التي شكلتها المعارضة السورية وحتى كثير من الهيئات التي لم تمثل في تلك الأجسام ولكن عاشت أجواء شبيهة جدا بها.
النرجسية السماوية: يحضر هذا النموذج لدى حركات الإسلام السياسي غالبا والتي تتخذ من السماء منهج عمل ومن الوحي دستورا لها ومن حوادث التاريخ الآفلة شواهدها ويكمن الانتفاخ لدى هؤلاء في غياب الشكوك وحضور اليقينيات في خطابها والذي لا يدع مجالا لقراءة الحوادث المعاصرة شديدة التعقيد والتكثيف وخاصة السياسية منها فالحلول جاهزة دائما وموثوق فيها كون الإيمان والعقيدة هي المرجعية دائما وعلى ذلك ترفع شعارات من قبيل ” الإسلام هو الحل ” أو ” القرآن دستورنا” ” أو” إن حزب الله هم الغالبون”.
ووفقا لعلم النفس مرة أخرى فإن كل فرد منا لديه مكونات نرجسية ” وأنا أولهم ” وهذا ما يسمى بالنرجسية الصحية والتي تشير إلى احترام الذات بعكس النرجسية المرضية التي تقوم على تضخيم الفرد لأناه، والسؤال المطروح اليوم، أما آن ” لممثلي” الشعب السوري أو الذين يدعون تمثيله احترام ذواتهم والعودة إلى مربع مطالب وحاجات السوريين المنهكين على كل المستويات؟ أم سيستمرون في أنواتهم المنفوخة حد تضييع تضحيات السوريين؟، ألم يحن الوقت لكلمة سواء يخرج فيها السوريون من أناهم الفردية الخاصة المريضة ليعودوا إلى نرجسيتهم الصحية التي تعنى بحب أناهم وسوريا الحضارة والتاريخ والسوريين المبدعين أينما حلوا حبا طبيعيا غير مشوب بذاك التنافس الرخيص على الحصص والمغانم والكراسي التي قتل السوريون ألف مرة في سبيل تحطيم رمزيتها؟ أم سنلاقي المصير المفجع لنرسيس السوري لنقول مع محمود درويش:
نرسيس ليس جميلا كما ظنّ
لكن صنّاعه ورّطوه بمرآته.

شارك

Share on facebook