أسامة هنيدي يكتب: شهبا والأضحية الثقيلة

نعم ثقيلة ومفجعة هي تلك الأيام التي تستقبل بها شهبا والسويداء أضحاها، أكتب هذه السطور ولا يدور برأسي إلا دموع تلك الأم الثكلى بشابين من أبنائها مشهود لهم بالوطنية والنخوة وأخ يزيد جرح تلك الأم ألما ويزيد منسوب الحزن لدينا جميعا على فقدان بهذا الحجم.
ولا يمكن لأي حدث لاحق أن يشكل عزاء لتلك الأم المصابة بمقتل الحزن حيث تعجز كل الكلمات عن التعبير كما لا يمكن أن تتحول دماء الناس إلى فرص للتغيير أقله بالمعنى القيمي والأخلاقي وإلا سيكون ذلك خروجا عن المنظومتين وبقلب بارد مقيت.
نعم لقد تمادى السفلة في غيهم ونذالتهم وحرفهم لسمعة طائفة بأكملها لناحية التوجه الوطني ورفض الانغماس بالدم السوري في السنوات العشر الأخيرة فكانت لديهم ومشغليهم عديد الخطط للعبث على ساحة المحافظة بسيناريوهات متعددة وبأدوات رخيصة ودموية في كثير من الأحيان خسرت فيها السويداء العديد من المواطنين الأبرياء إضافة لحالات الابتزاز والخطف والسلب والنهب حتى أصبحت السويداء وعلى لسان الكثيرين من السوريين
” شيكاغو” أخرى ليس بناطحات سحابها بل بارتفاع منسوب الجرائم القذرة فيها.
وفي كل مرة كانت تحصل فيها أحداث ونزاعات على مستوى المحافظة كانت العديد من الأصوات ونحن منهم تدعوا إلى توافق مجتمعي وأهلي على نبذ أولئك الخارجين عن القانون والمرتبطين بأجندات تضمر شرا للسويداء وعلى الرغم من الحلول التقليدية التي اتبعتها الكثير من العائلات والتي نجحت نسبيا في لجم بعض الأشخاص إلا أنها كانت فردية وغير مجدية إذ أن الحالة كانت عرضة للتكرار فكان رأينا حينها أن يكون ذلك على نطاق مجتمعي أوسع يرفع الغطاء عن كل متورط في تلك الأعمال القذرة.
وهنا علينا أن نعترف بغياب الفاعلين المجتمعيين والذي يفترض أن يلعبوا أدوارا استثنائية في مثل تلك الظروف وأخص بالذكر الهيئة الدينية المتخبطة في حساباتها الداخلية الضيقة وعدم التجانس والتذبذب المتواتر في مواقفها من الحالة الداخلية على مستوى المحافظة على وجه التحديد إذ لا تكاد تفرح بموقف ” مجتمعي ” متقدم من كل هؤلاء إلا وتفاجئ منه بموقف يجب ما سبقه لناحية التراخي والانبطاح والعجز ما يعزز لديك فكرة اليأس من التعويل على دورها كفاعل في الشأن المجتمعي ولا يختلف كثير من الزعماء التقليديين في المحافظة كثيرا عن موقف هيئتها الدينية إلا في حالات نادرة طوال السنوات العشر الماضية سواء على المستوى الوطني أو المجتمعي لا بل إن جلهم متفرغون للعزومات والتشريفات وتقفير المناسف المجللة بأوجاع الناس وضائقة عيشهم الخانقة.
وعلى الرغم من بعض الأنشطة المدنية التي تحاول بعض منظمات المجتمع المدني والمخلصين منهم على وجه التحديد لا السماسرة ولا أسرى التمويل الرخيص ولا المتعاملين الذين يوصفون عملهم بالمدني إلا أن ذاك الجهد يخرج في معظم الأحيان بمحصلات صفرية لا يمكن لها التأثير في عمق بنية تكاد تكون عصية على التغيير.
اليوم وبعد كل تلك الفوضى والدم المراق تأخذ شهبا بوطنييها وعوائلها الكريمة قرارا أجد فيه فرصة تاريخية على المستوى المجتمعي بتصفية تلك الظواهر الناشزة مرة وإلى الأبد على قاعدة ” آخر دوا الكي ” بحيث سيفكر أمثال هؤلاء السفلة ومشغليهم ومن سيتبقى من فلولهم ألف مرة قبل مجرد التفكير بارتكاب ما ارتكبوه من جرائم وما سببوه من دموع.
ولعل قرار شهبا اليوم يتوسع ليصبح نواة للقاء عوائل السويداء على مسألة نالت من هيبتهم وسمعتهم وأبنائهم وأمنهم واستقرارهم القلق بفعل أزمات البلد الكبرى.
وثمة من يجب أن يتحمل كامل المسؤولية اليوم من هيئات دينية وزعامات تقليدية إذ أن الفرز اليوم أصبح ضروريا بين الساعي لاستقرار الوضع الأمني في المحافظة وبين الكسول والوجيه الفارغ والحيادي والمتفرغ للمناسف والاحتفالات.
لا وقت اليوم للتفكير الطويل لقد قادت شهبا الحملة التي كان يجب أن تحصل منذ زمن وهذه الحملة المغمسة بدماء أبرياء شرفاء يجب ألا تكون رخيصة عند أحد بل أن تكون على العكس منطلقا لقرار حاسم لتصفية شذاذ آفاق المحافظة وبعث رسالة إلى مشغليهم السفلة بأن على أرض هذه المحافظة من يرد كرامتها ويحفظ سمعتها ويقيها من السقوط مجددا في أتون المشاريع المشبوهة ومن له أذنان فليسمع.
“تجدد بلدي التذكير أن المواد المنشورة تعبر عن رأي أصحابها”

شارك

Share on facebook