صايل الكفيري يكتب: خطاب الكراهية من الداخل (1)

الكراهية هي شعور بالنفور و الاستقباح و المقت، و قد يكون مصحوبا بالغضب و التوتر الشديدين أحيانا، يعيشه المرء تجاه آخر؛ أي آخر. و تؤدي عادة إلى رغبة عارمة في تجنب، أو إبعاد المكروه، أو تدميره.

وقد يتوجه الكاره بمشاعره تلك نحو إنسان أو حيوان أو طعام أو شراب، أو نحو مجموعة كبيرة من الناس، و قد يكون الكاره شخصا، أو جماعة، أو شعبا بأكمله،

ويرى أرسطو أن الكراهية قد تولد رغبة في إبادة الكائن المكروه، و يرى آخرون أنها غالبا ما تؤدي إلى تدمير الطرفين معا.
ونستطيع أن نحدد مصدرين أساسين لتشكل الكره:

= المصدر الأول هو الإحساس بالظلم و بعدم وجود العدل و القانون الذي يكفل للإنسان حقوقه من الضياع وفق ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وهو وثيقة تاريخية هامة في تاريخ حقوق الإنسان—صاغه ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية والثقافية من جميع أنحاء العالم، واعتمدت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948 بموجب القرار 217 ألف بصفته المعيار المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم. وهو يحدد،و للمرة الأولى، حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها عالميا. وترجمت تلك الحقوق إلى 500 لغة من لغات العالم.

و هناك نوعان من الإحساس بالظلم:
1- النوع الأول موضوعي، له ما يبرره واقعيا من وقائع و حيثيات من جهة، و له ما يبرره فكريا و ثقافيا و قانونيا و عرفيا اجتماعيا من جهة ثانية.

2- النوع الثاني ذاتي، ليس هناك ما يبرره واقعيا، بل يعيشه المرء واهما بوجوده، وقد يرتكز على عقد نفسية تشكلت أثناء الطفولة و لم يستطع تجاوزها في زمن مناسب، فترافقه بقية حياته حتى بعد زوال المسببات الموضوعية فيما بعد. و قد يرتكز هذا النوع أيضا على الجهل في معرفة الحق، و على النرجسية التي تبيح لصاحبها ما لا تبيح لغيره.

= المصدر الثاني آيديولوجي، تربوي، عنصري، ثقافي، ديني، طائفي، تنافسي، صراعات تاريخية مستمرة.

و الكراهية هي محبة فاشلة، أو فشل المحبة في التشكل بين حنايانا. يقول سبينوزا:

(إن الكراهية تزداد حين تصبح متبادلة، ولا يمكن القضاء عليها إلا بالمحبة.)

 

فالمحبة- نقيض الكراهية – هي الاستجابة الصحيحة و الوحيدة للإنسان تجاه وجوده، و التي يواجه بها قلق الانفصال عن أمه الطبيعة في سيرورة تشكل ذاته، و في العمق فإن انتشار خطاب الكراهية و تداوله هو انعكاس لحالة قلق اغترابية عميقة يعيشها المرء تجاه نفسه و تجاه الآخرين معا. ناهيك عن استطالات غريزة حب البقاء في المشترك الإنساني الحيواني و تجلياتها اللاعقلانية في صراع البقاء، ولا يمكن لمن اختبر حقيقة وجوده و تقدير ذاته كإنسان، أن يكون كارها لإنسان آخر.

و هنا نستطيع أن نرى مصدرا ثالثا أكثر عمقا من المصدرين السابقين و الذي قد يشكل دافعا لاشعوريا عميقا لتشكل الكراهية فيما بعد، وهو ألم الفطام الوجودي، أو ألم تشكل الذات بعيدا عن حضن الطبيعة، و عن حضن الجماعة البدئي، حيث قذف بالإنسان فردا وحيدا في مواجهة العالم، وقد ساهمت طبيعة الحضارة الحديثة في زيادة حدة اغترابه و عزله و عزلته عن محيطه الطبيعي، وعن محيطه الإنساني كذلك؛ ففقد إحساسه بذاته كجزء من كل حام له و حاضن و آمن.

و حسب الخطاب الماركسي فإن الإنسان يعيش حالة اغتراب عندما ينتج ما لا سلطة له عليه، فالعامل في المصنع يأخذ أجرا مقابل عمله، ولكنه لا يقرر مصير منتجه، الرأسمال هو من يفعل ذلك، حتى إن مفهوم المساواة في المجتمع الغربي المعاصر أصبح يعني التماثلية؛ تماثلية الناس الذين يقرؤون المعلومات نفسها، و يعيشون المتع نفسها و بالطريقة نفسها، و يستمعون إلى الأخبار نفسها التي تبثها وسائل الإعلام نفسها، و لهم الأفكار نفسها، و المشاعر نفسها، و يعيشون يومياتهم بالطريقة نفسها. إن التماثلية تقتل روح الفرادة و الخصوصية التي تشكل باعثا للسير في طريق النضج و التواصل مع بعضنا كذوات مستقلة تعي نفسها و تقدس الذات في الآخر ولا تسعى لتدميرها.

و لأن هذه التماثلية تضغط على الفرد و نزوعاته الأصيلة التي لم تتشذب بعد، فإنها تولد في نسيجه النفسي استعدادات للعدوان و تفريغ الاحتقان عبر إيجاد موضوع يكون محط كره و غضب و نفور.

و هو في سعيه إلى إعادة توحده الذي كان مصدر هناء له في التاريخ البعيد؛ لا يجد أمامه إلا طريقين:
– طريق امحاء الذات، و الآخر بصفته ذاتا كذلك، و الذي يقوده إلى الكراهية و التدمير و الحروب و التنافس و إلى المزيد من فقدان الإحساس بالذات، و يجري ذلك إما بالتماثل بين الجميع و عدم الخروج عن الجماعة، أو بالتدمير و بإلغاء الآخر المختلف.
– أو طريق النضج القائم على الحب.

شارك

Share on facebook