صايل الكفيري يكتب: خطاب الكراهية من الداخل (3)

روافد خطاب الكراهية في العالم المعاصر:
1- النظام التعليمي باعتباره قائما على التنافس و التراتبية و مرتبطا بشروط السوق في مآله الأخير، حيث سياسة العرض و الطلب التي تخضع لها الكفاءات العلمية و الإنسانية بصفتها سلعا، مما يتسبب باحتقانات لا واعية أو واعية ناتجة عن الفروقات الفردية و التي تحتاج إلى تفريغ، فيجد الفرد ضالته في موضوعات يكرهها كي يتخلص من احتقاناته تلك، و ذلك بالتساوق مع تركيز نظام التعليم على العلوم و المعارف التي تحقق نفعية مباشرة و مردودا ماليا سريعا، ولا يعير اهتماما كافيا للجانب الروحي التأملي الإنساني. و بهذا المعنى يقول إريك فروم في كتابه ( فن الحب ):

(( و من الواضح أنه لكي يمتلك الإنسان حساسية سليمة محبة تجاه نفسه، يجب أن تتكون لديه صورة للأداء الإنساني الكامل و الصحي؛ فكيف يمكن أن يحصل الإنسان على مثل هذه الخبرة إن لم تكن لديه في الطفولة أو في حياته فيما بعد؟ بالتأكيد لا يوجد جواب سهل على هذا السؤال، و لكن السؤال يشير إلى وقفة نقدية ضرورية للغاية تجاه نظامنا التربوي ))*3

(*3- إريك فروم- فن الحب- ص105- دار العودة- بيروت- الطبعة الثانية- ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد.).

و في البلدان النامية أو المتأخرة فإن النظام التعليمي و بالإضافة إلى ما سبق، فإنه يعتمد القسوة و الزجر و التعنيف و يجانب عوامل التعزيز الشخصي لدى الطفل و اليافعين عموما في ظل ظروف اقتصادية و اجتماعية صعبة، بل كارثية أحيانا.

2- الديمقراطية المثلومة: و يتجلى ذلك في طبيعة نظام الانتخابات المعمول فيها عالميا حيث يتساوى أمام صندوق الاقتراع شخص مثل آينشتاين مع أي فرد لا يعي ما يدور حوله في الشأن السياسي، و لا في شؤون الحياة عموما.إن قرار الأكثرية هنا تحديدا، و ضمن هذا السياق؛ (( يؤخذ حجة – بصفته قرار الأكثرية – لتأكيد صوابه، و من الواضح أن ذلك خطأ، و إذا تحدثنا من وجهة نظر تاريخية فإن كل الأفكار الصائبة في السياسة و كذلك في الفلسفة أو الدين أو العلم، كانت في الأصل أفكار الأقليات، و لو حكمنا في قيمة أي فكرة على أساس الأعداد لظللنا نمكث في الكهوف إلى الآن.))*4- إريك فروم- مذكور سابقا- ص466.

ثم في طبيعة أنظمة الحكم و طرق الوصول إليه التي تسمح بأن يقود شخص مثل ترامب أعظم دول العالم، و ينوب عن عشرات الآلاف من المفكرين و المبدعين و الفلاسفة الأميركان و يحدد مصيرهم. إن تبعية الفكري و الفني و الثقافي و الإبداعي عموما، للسياسي المتحكم و للاقتصادي المسيطر؛ كارثة. كما هي تبعية أقلية عارفة لأكثرية جاهلة كارثة. كما هي تبعية الأكثرية المطلقة لأقلية اقتصادية مركزية لا ترى إلا مصالحها حتى لو أدى ذلك إلى خراب الكوكب؛ كارثة.

أما في العديد من البلدان المتأخرة، أو بلدان العالم الثالث، أو حتى المتقدمة صناعيا مثل كوريا الشمالية، فبإمكاننا أن نستبدل عبارة ( الديمقراطية المثلومة ) بعبارة: الديمقراطية المعدومة.

3- الخطاب الديني: لأنه ببساطة يرى أتباعه هم المختارون من قبل الله، بينما يرتع الآخرون في الضلال. و تتفاوت حدة الموقف من الآخر المختلف من دين إلى آخر، كالإشفاق عليه، أو قطع صلات التواصل معه و نبذه، أو تكفيره، وصولا إلى الإفتاء بقتله كما حدث في فتوى الخميني الصادرة في 14 شباط عام 1989 بإهدار دم سلمان رشدي الكاتب المعروف، و وضع مكافأة مالية لتصفيته جسديا بقيمة ثلاثة ملايين دولار.

4- النظام الاقتصادي العالمي: فهو ضمن الدولة الواحدة قائم على التنافس، و المضاربات، و على التراتبية و التفاوت في مستوى الدخول، و تعميم قيم الاستهلاك، و خلق حاجات مزيفة لمزيد من الاستهلاك و استنزاف الجهد البشري. و أما على الصعيد الدولي فقد يصل التنافس حد إقامة الحروب، أو إفقار شعوب بأكملها و تجويعها على مرأى من العالم كله.

5- خطاب التنميط السلبي تجاه الأقليات و الجماعات الإثنية في الثقافات السائدة في المجتمعات عموما، و المترافق مع غياب أو ضعف العدالة الاجتماعية و السياسية و القانونية بشكل عام.

6- الثورة المعلوماتية و سرعة انتشار المعلومة، خاصة عبر وسائل السوشل ميديا، و المترافقة مع عدم وضوح التشريعات اللازمة بخصوص خطاب الكراهية و ضبط مصطلحاته و الإجماع على تعريفاته بدقة و إشراك كادر ثقافي فكري تخصصي من أجل ذلك، مما يترك الباب مفتوحا أو مواربا للخلط بين حريات التعبير المشروعة و الضرورية للحوار الإنساني العام من جهة، و بين خطابات التحريض على العنف و الإلغاء و اللاموضوعية في رؤية الأمور المطروحة للعلن من جهة ثانية، و بين التدخل بالسيادة الوطنية للدول في طرح توجهاتها من جهة ثالثة.

7- اتجاه نظم الاستبداد و الدكتاتوريات في العالم إلى الاستثمار في الإعلام التقليدي و صنوفه الأخرى و إنفاق مليارات الدولارات لصناعة البربوغاندا الخاصة بها، حيث ترافق ذلك مع الهجمة على الحريات و الديمقراطية و صعود اليمين المتطرف في الغرب و أزمة اللاجئين و تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا. ولا بد هنا من إلزام المسؤولين العامين بالتنديد بالتعصب و العنصرية لا سيما حين يأتي من أعضاء حزبهم السياسي الخاص، و أن تكون الحكومات شريكة المجتمع المدني و القادة الدينيين و الاجتماعيين و الإعلاميين في بدء حوار دائم لتحديد ماهية ( الإساءة ) الحقيقية.

8- الأزمة السورية و تداعياتها: لقد فاقت الأزمة السورية في عمقها و تداعياتها و تعدد أطرافها و استمرارها كل الأزمات التي حصلت في العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك أسرع مذبحة في التاريخ التي حصلت في رواندة حيث راح ضحيتها حوالي 800 ألف قتيل خلال أربعين يوما.

و لعلها ترقى لمستوى حرب عالمية من حيث استثمارها و المشاركة فيها من قبل الدول العظمى و حلفاء كل منها من باقي الدول العربية و الإقليمية و الدولية، أو ترقى لمستوى الأزمة الشرقية حين قررت الدول العظمى في بدايات القرن العشرين اقتسام تركة الرجل المريض ( تركيا ) آنذاك، و وضع حد للإمبراطورية العثمانية و رسم خارطة العالم من جديد إلى غير رجعة.

و بغض النظر عن مسبباتها و اختلاف وجهات النظر المتعددة حولها، فقد اختلط فيها الاجتماعي بالسياسي والاقتصادي و الآيديولوجي العقائدي و الثقافي و الديني و المذهبي و الإثني و الطائفي و المحلي و الإقليمي و العالمي معا. إنها (( بحر من التفاصيل )) فعلا. و هي في المآل الأخير هوية للعالم الحالي بصفته عالما كارها حاقدا و تنافسيا، و دليل ساطع على أنه عالم ليس بخير أبدا. و قد شكلت بتعقيداتها و تداعياتها تلك، أرضا خصبة لانتشار خطاب الكراهية في الإعلام المحلي و العربي و الإقليمي و الدولي بين أطراف الصراع جميعهم، و تجسيده على الأرض قولا و فعلا. فمنذ العام 2011 زاد استخدام خطاب الكراهية، و التحريض على العنف و الإرهاب، و التجييش الطائفي، والتمييز ضد المرأة و الفئات المهمشة في وسائل الإعلام السورية كافة.

شارك

Share on facebook