ربيع مرشد يكتب: البطل والباطل

البطولة من أقدم المصطلحات تاريخياً، منذ وعي الإنسان بذاته. وهي من أكثر المسائل تجدداً إلى يومنا هذا، لكن وجهها يتبدّل مع تغييرات الزمان والمكان، وتطور الفكر والاختراعات: من العصا إلى المِقلاع، مروراً بالسيف وانتهاء بسقوطها مع البندقية… وبقية أدوات القتل التي لا تُعَد ولا تُحصى. حيث قال مخترع المسدس: (الأمريكي صمويل كولت)، وبعد أن راج اختراعه وصنع ثورة في ماهية القتل: “اليوم يتساوى الشجاع مع الجبان”. كلما امتلك الانسان سلاحاً أقوى وأكثر فتكاً، كلما غدت البطولة أقل لمعاناً وأكثر خجلاً، ووضعت في خانة العادي، وخسرت بعضاً من أخلاقياتها؛ وربما كلها.

وفي سياق آخر يُحكى أن نابليون بونابرت كان يقول: “إن فارساً واحداً من فرسان المماليك، يوازي عشرة من جنودي الفرنسيين”، وبالرغم من “بطولة” هؤلاء الفرسان المماليك، لكن التاريخ لم ينصفهم، وإنما انحاز بطريقة مجحفة إلى “بطلان” بونابرت، وجنوده أصحاب البنادق الطويلة، والحِراب اللاصفة.

البطولة _أولاً وقبل أي شيء_ هي فِعل أخلاق، وإلا غدت باطلاً وبطلاناً.

ننتقل إلى عصرنا هذا، كيف نستطيع أن نقول: الطيار الفلاني بطل، بكبسة زر سحق 100 من الأعداء، ومن هم الأعداء؟، يا لها من كلمة فضفاضة!. علينا إعادة النظر في مُصطلح البطولة أيها السادة، وإعادة النظر أيضاً في مصطلح الفروسية، والبحث عن تعريف آخر للأخلاق. علينا أن نسأل: “كيف للوقت والزمن أن يغير أسس الرِفعة والإباء؟، كيف تسقط بطولة السيف أمام تكنولوجيا الزِر، وكيف يمكن للتاريخ أن يقبل بالبطولة التي ربما لو كانت في زمن آخر لسميت باطلاً وبطلاناً”.
إن طفلاً واحداً قضى بحرب ما، لجدير بإسقاط بطولة العالم برمّتها. إن عائلة من خمسة أرواح شُرّدت من منزلها وتاهت في أصقاع الدنيا، كفيلة بخجل بطولة هذه الحياة وتحويلها بطلاناً، إن أباً واحداً يحمل بين يديه طفله الذي لا ذنب له إلا لأنه ولد هنا، وعن طريق الصدفة أو الخطأ؛ لمن الأجدر أن يقف العالم مطئطئاً خجِلاً أمام سطوة دمعة هذا الأب المفجوع.
إن لم تقترن البطولة بالحِسّ الوجداني الرفيع، إن لم تبكِ عين هذا البطل أمام مشهد طفلة مبتورة القدم، إن لم يتفاعل مع عجوز جائع، مع امرأة ثكلى، مع أخت مفجوعة، مع زوجة مقهورة، مع أمٍّ تبكي فلذة كبدها الباردة… سوف تسقط “بطولاتهم” حتى القاع السحيق مع حكايتها الخالدة!!.

شارك

Share on facebook